الملحق الثقافي:عبد المعين زيتون:
رغم أن السؤالُ عن القراءة، مازال أكثر الأسئلة تكراراً، ولاسيّما عبر وسائل الإعلام، ومن خلال المهتمين بالشؤون الفكريّة والثقافيّة والاجتماعيّة في مجتمعنا، لكن هذا التكرار يبقى مشروعاً، إلى أن يتحوّل السؤال إلى فعلٍ حقيقي، والفعل إلى واقعٍ ذاتيّ ينتشر بين أفراد المجتمع، شأنه شأن أيّة عادةٍ وطبعٍ وعرفٍ عام، يألفه الصغير والكبير معاً.
نعم، لابدّ من تكرار السؤال، بمناسبة وبغير مناسبة، إلى أن نصل إلى حالةٍ يصبح فيها السؤال عن القراءة، حالة أشبه بحالاتِ القلق والشكِّ الذي يدفعنا دفعاً إلى الكتاب، إذا لم يكن بدافعِ المعرفة والثقافة والخلاص من حالة الجهل والتخلف، فليكن بدافعِ الفضول الذي قد يخلق حالة نفسيّة وروحيّة ملحّة، تقود صاحبها إلى الإجابةِ عن السؤال، في محاولةٍ منه لاكتشافِ قيمة القراءة وفوائدها وآثارها، التي لا يمكن لنا في هذه العجالة أن نحيط بها، أو نحصيها.
ومع تزايد مشكلاتنا وتنوعاتها، الاجتماعيّة والشخصيّة، الفرديّة والعامة، لابد لنا من إدراك، أن أسباب هذه المشكلات تعود بمجملها، إلى ضعف الكفاءة المعرفيّة والثقافيّة لدى الأفراد.
المؤلم هنا، أن ازدياد عدد هؤلاء الأفراد في أيّ مجتمعٍ، يعني اتّساع مساحة التخلف والجهل فيه، ما يشي بازدياد مشكلاته وتكريسها، وتعميق آثارها ومخاطرها على مستوياتٍ كثيرة، تطال الفرد والأسرة والمجتمع، على حدٍّ سواء.
لم نعد ندري حقاً، ما إذا كانت القراءة والاعتياد عليها، والاقبال على الكتب وشرائها ومطالعتها، أمرٌ يحتاج إلى معجزاتٍ، فهل ننتظر وقوع مثل هذه المعجزات، ليندفع أبناء مجتمعاتنا إلى القراءة والاعتياد عليها.
حقيقةً، لا يرتبط وقوع هذه المعجزات بخوارقٍ ما، بقدر ما يرتبط بقرارٍ ذاتيّ، يأخذه أيّاً منا في لحظة إدراك لقيمة القراءة، والايمان بمفاعيلها ونتائجها الطيبة، التي يمكن لأيّ منا أن يراها بجلاءٍ ووضوح، في أداءِ وسلوك شخصين أمامه، أحدهما قارئ يقتني الكتاب، والآخر غير قارئٍ، ولا يهتم لا بالقراءة ولا بالكتاب.
وبديهي أن نلمح الفارق الصارخ في سلوكين متباينين، أحدهما يتّسم بالوعي والرقي، والاخر يتَّصف بالجهل والتخلف، إذا لم نقل البشاعة والرداءة والانحطاط.
ومع توفر وسائل المعرفة والقراءة الرقميّة، لم يعد ثمّة من يصدق أن الظروف الاقتصاديّة الضاغطة، هي من الأسباب القوية التي تحول دون الإقبال على القراءة، وتحصيل المعرفة والثقافة.
لا شكَّ أن المعجزة التي ننتظر أن تقع بين أفراد مجتمعاتنا، هي إيمانهم بفوائد القراءة الوفيرة، عليهم وعلى مستقبل أبنائهم، ومستقبل المجتمع والوطن في النهاية.
ومع تنامي ظاهرة المكتبات الرقميّة في السنوات الأخيرة، والتخبّط الذي نعاني منه، في السؤال عن مستقبل القراءة، لا بدّ من تكرارِ السؤال:
«لمن ستكون الغلبة يا ترى، للكتاب الإلكترونيّ، أم الورقي؟.
وكأنّ القراءة صارت، محض سجالٍ في ملعبٍ كرويّ، بين خصمين متصارعين، في ساحةٍ غير موجودة أصلاً، مادام الهدف الأصل هو القراءة، أيّاً كان مصدرها.. لا بدّ أن ندرك هنا، أن الجديد إذا أقبل وانتشر، ليس من الضرورة أن يلغي القديم الموجود، والمنتشر أيضاً.
حتماً، ثمّة ميزاتٍ وسماتٍ حقيقية، بين الجديد والقديم، لكن السؤال ليس عن مصدر القراءة ووسيلتها، لطالما هي الهدف والغاية، فلا بأس إن كان الكتاب الإلكتروني متاحاً للقارئ، وإن كان في متناوله الكتاب الورقيّ، فلا بأس أيضاً، فمن يشعر بالظمأ لا يعنيه لون كوب الماء، بقدر ما يعنيه أن الابتعاد عن الكتاب أيّاً كانت وسيلته، هو حالة من حالات العطش والخواء النفسيّ والروحيّ، للكائن البشريّ، الذي يتوق بفطرته السليمة، إلى المعرفة والاطّلاع.
ومادام الحديث أخذنا إلى الكتاب الرقميّ، فهناك من يتخوّف من شيوعِه، وانحسار الكتاب الورقيّ، ولاشكّ أن هذا التخوف أشبه بالوهم، وهو وهمٌ مردّه السؤال الخاطئ، عن مستقبل الكتاب الورقيّ، في ظلِّ شيوع الكتاب الرقميِّ.
في الواقع الأمر، السؤال الجيد يفضي إلى إجابةٍ جيدة، وبمعنى آخر، إجابتنا غير الجيدة عن مستقبل الكتاب الورقيّ، ربما كان مردّها، الذهنية غير الصحيحة التي اعتدناها في حياتنا العامة والخاصة على السواء.. ذلك أننا اعتدنا على حشرِ أنفسنا في وجهين لا ثالث لهما، في أيّة مسألةٍ تواجهنا، ولهذا نرى أن لكلِّ مسألة وجهين: أبيض وأسود.
هي حقيقة، فنحن إما أن نحبُّ وإما نكره، وثمّة وجهٍ آخر لأيّة مسألة، وفي هذه الثنائية الأخيرة، يمكننا إن لم نحب، ولم يكن بمقدورنا ذلك، ألا نكره أيضاً.
سؤال القراءة الجاد، في ظلِّ انتشار الأدوات ووسائل المعرفة الرقميّة، هو كيف يمكن تطويع هذه التقنيات الجديدة، واستغلالها في رفع مستوى الإقبال على القراءة، ورفع معدل أرقام القرّاء في مجتمعٍ تبدو فيه القراءة، حاجة أساسية لا ترفاً يمارسه البعض دون البعض الآخر، وحاجة ترقى إلى مستوى الواجب الوطنيّ والإنسانيّ..
فهل مازلنا نحتاج حقاً إلى معجزاتٍ خارقة، لنتّخذ القرار بالإقبال على القراءة؟..
التاريخ: الثلاثاء29-6-2021
رقم العدد :1052