تجلّياتُ أنثى

الملحق الثقافي:ثراء الرومي:

يسألونها: “من تكونين؟”
تُسرِّحُ جدائل الوقت بتأنٍّ مدهش وهي تجيب:
“أنا أحلامٌ بَعْثَرَها المدّ على شاطئ الحياة، فارتمَتْ في ذلك البحر كيلا تعترف بالانهيار، وغدت تحاكي عمقه ومزاجيّته العالية، إذ كبرَتْ من حيث لا تدري!
أنا الشّمس التي مهما غيّبَتْها الأحزان وأعمار النّهارات الذابلة تنهض في اليوم التّالي بكلّ بهائها، ناسيةً أو متناسية حداد أمسها، فلا زال أمامها مشاريع أحلام كثيرة.
أنا امرأة خَبِرَتْ تماماً من أين يؤكل لحم الوقت. أحزن حتّى ثمالة خافقي، وأفرح كما لو أنّها آخر فرصة للفرح في آخر دقيقة من العمر الهارب أبداً، وحين أبكي لا تكفيني كلّ سحائب الوقت.
أنا طفلةٌ نسيَتْ أن تكبر بين دماها الكثيرة. وما زالت تنتظر حكاية آخر المساء لتَلِجَ بوابة عريضة أخرى في مملكتها الورديّة. طفلةٌ تختزن في ذاكرتها أفلام الرّسوم المتحرّكة التي كان لها منها مجرّد ساعة سعادة يومياً ولكنها لا تزال تقتات بها في زمن مجاعة اللّحظات الصّادقة النّادرة، فهي لا تزال تحسد “فلونة” على تلك الشجرة الرّائعة التي بَنَتْ وأهلَها بيتاً فيها. وتتساءل لماذا لا تجود الحياة بنكهةٍ عالقةٍ حتّى اليوم تحت أضراس أحلامها، هي نكهة الجبن الذي كان يصنعه جدّ “هايدي”. ويؤرّقها أنّها لا تستطيع امتطاء الغيوم كما كانت “هايدي” تبدو في شارة الفيلم. طفلةٌ كانت تحلم أن تعيش مغامرات “توم سوير” بكل شقاوتها، فأدركها النّضج فجأةً، وقد تكوَّرَتْ زهرتان في صدرها، فبات لزاماً عليها أن تتوقّف عن الرّكض مع الصِّبْيَةِ وتلزم سلوك الصّبايا الرّزينات.
أنا عجوز رسمَت الهمومُ عمراً افتراضيّاً على جبينها وهي ترفض قياس العمر بما مرَّ من سنين، بل بما يمرّ من أحلام، فهي ترى أنّها أكثر شباباً ممّن نضب نبع أحلامهم في ربيع العمر.
أحياناً أكون كلَّ هؤلاء، وأحياناً لا أشبه أيّة واحدة منهنّ. وقد أنظر حيناً في مرآة نفسي، فلا أعرفُني، إذ أجد أنّني لا أشبهُني، فهناك أنثى غريبة عني على الضّفّة الأخرى من ذلك الإطار الزّجاجيّ. أحاول الولوج إليها باندفاعٍ لأعرِفَها فأعرفني.. يصطدم وجهي بالزّجاج ليتناثر شظايا صغيرة، ولا يبق لي منّي سوى سؤال صغير كبير: “من أنا؟!” فيستمرّ تدفّق الأجوبة كما دائماً:
أنا الحالمة أبداً بوسيلةٍ سحريّة تهبُني زنبرك الزّمن لأديره كما يحلو لي. أحياناً أسرق الزّمن بمنتهى حرفيّة اللّصّ المخضرم، وأحياناً يسرقني الزّمن بمنتهى القسوة وأنا ألهث خلف لحظة تعدو، وأخرى تُناور.
ربّما أمضي سحابة ليلي أعدُّ محطات الفرح الكثيرة التي سكَنْتُها فزيَّنَتْ عمري، أو أعدّ محطّات خيبة دهريّة سكَنَتْني، فاستوطنَت أنفاسي.
أحياناً أعدُّ الخراف، أو ربّما النجوم، وأحياناً أعدُّ زفرات لم تسكبها روحي بعد، وقهقهات روحٍ كَمْ أدنو منها، ولحين أعدّ ذنوباً لم أقتَرِفْها، أو حسنات تملأ كأس نفسي بالرضا والسكينة. وغالباً جداً أعدّ ما لا يحصى من نِعَمٍ قد لا أستحقّها.
قد أكون أتعس النّاس، وقد أكون أوفَرَهُم حظاً، حسبما أُرَجِّحُ كَفَّةَ العدِّ التي لطالما تَفَنَّنْتُ في توجيه شراعها إلى الخيار الثّاني.

التاريخ: الثلاثاء6-7-2021

رقم العدد :1053

 

آخر الأخبار
جلسة حوارية في إدلب: الإعلام ركيزة أساسية في مسار العدالة الانتقالية سقوط مسيّرة إيرانية بعد اعتراضها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في  السويداء.. تصاعد إصابات المدنيين بريف إدلب تُسلط الضوء على خطر مستمر لمخلفات الحرب من الانغلاق إلى الفوضى الرقمية.. المحتوى التافه يهدد وعي الجيل السوري إزالة التعديات على خط الضخ في عين البيضة بريف القنيطرة  تحسين آليات الرقابة الداخلية بما يعزز جودة التعليم  قطر وفرنسا: الاستقرار في سوريا أمر بالغ الأهمية للمنطقة التراث السوري… ذاكرة حضارية مهددة وواجب إنساني عالمي الأمبيرات في اللاذقية: استثمار رائج يستنزف الجيوب التسويق الالكتروني مجال عمل يحتاج إلى تدريب فرصة للشباب هل يستغلونها؟ تأسيس "مجلس الأعمال الأمريكي السوري" لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دمشق وواشنطن تسهيل شراء القمح من الفلاحين في حلب وتدابيرفنية محكمة سوريا تلتزم الحياد الإقليمي وسط تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران مدينة طبية في إدلب..خطوة جديدة لتعزيز القطاع الصحي تفاصيل جديدة لـ "وول ستريت جورنال" .. هكذا نفذ الموساد عملية معقدة في قلب إيران بيدرسون: المرسوم 66 خطوة مهمة توافق الإعلان الدستوري على توقيت اقتصاد سوريا.. خبيران لـ"الثورة": من أراد النجاح فعليه أن يضبط ساعته على عجلة مستقبلها تراجع عدد السوريين المسجلين وفق الحماية المؤقتة في تركيا لجنة لدراسة الصكوك العقارية لعقود الإيجار.. ومحال الفروغ قاب قوسين أو أدنى من وصولها للحل معبر البوكمال .. تعزيز لعراقة العلاقة الثنائية والارتباط الاقتصادي مع العراق اكريم لـ"الثورة": سوق ...