الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
قصص حدثت على أرض سورية أبطالها بواسل الجيش العربي السوري الذين سطروا ملاحم صمود وتضحية وشجاعة أبهروا بها العالم ، هي لم تأت من فراغ لأنها نابعة من عقيدة وإيمان بوطن يرخص له الغالي والنفيس ، هذه الحكايات التي سعت سلسلة (لأنها بلادي) إلى توثيقها من خلال الوثيقة والمعلومة والأرقام وقُدِمت ضمن قالب درامي لتحمل تشويقها ، حملت توقيع المبدع نجدة أنزور في الإخراج ، تأليف محمود عبد الكريم وإنتاج وزارة الإعلام – المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي ، قُدِمت حلقاتها على شكل صفحات (حلقات) من كتاب يحتوي الكثير من القصص الحقيقية التي جرت على أرض الواقع ، وتم الاختيار منها لتُقدم في ست وعشرين حلقة ، وبما أنها حكايات منفصلة متصلة فقد جمع فيما بينها العديد من القواسم المشتركة ، وأهمها الشارة التي تماهى فيها نشيد (في سبيل المجد والأوطان) للشاعر عمر أبو ريشة بكل ما يحمل من دلالات ومعانٍ مع صوت المعارك ومشاهد تظهر ضراوتها وسيطرة الجندي السوري على الميدان أرضاً وجواً وبحراً ، هي مشاهد تحبس الأنفاس وتلخص الكثير قصص البطولة ، ومن القواسم المشتركة أيضاً حضور العلم السوري في الكثير من المشاهد وفي مختلف الأمكنة بكل ما يحمله من رمزية تدل على السيادة وبسط سيطرة الدولة السورية على أراضيها ، ففي كل حلقة وعبر العديد من المشاهد بما فيها المشاهد العابرة سيجد المشاهد العلم السوري مرفرفاً شامخاً زارعاً الأمان في القلوب .
بدا واضحاً حرص صنّاع العمل على فكرة تداخل الحكايات ، بحيث يشهد المتلقي نهاية حكاية وانطلاق أخرى في الحلقة نفسها لأنها حياة وأحداث متسلسلة ترصد الحرب التي شنت على سورية ، فتارة الحديث يدور حول الجنوب وتارة عن الساحل وتارة أخرى عن الشمال ومدينة حلب أو القلمون وجبالها أو دمشق وريفها .. ولكن هذا التداخل انتهى مع نهاية الصفحة (الحلقة) الخامسة عشرة لتبدأ رحلة حكاية (شآم يا ذا السيف) بحلقة جديدة ، وظهر جلياً أن كل منطقة دارت فيها الأحداث تم التصوير فيها فعلاً وعمدت الكاميرا إلى التقاط تفاصيل الأمكنة بما فيها وجوه الناس وطقوسهم وملابسهم التي تعبر عن المنطقة ، السهول والجبال والأزقة وحتى الموسيقا في سعي لإظهار خصوصية المكان وغنى البيئة ، حتى إن هناك ضباطاً وجنوداً في القوات المسلحة كانوا يتكلمون بلهجات بيئاتهم لأنهم من مختلف المناطق السورية بما فيها تلك التي شهدت أشد المعارك وأشرسها ، يحملون بين ضلوعهم انتماءهم وحبهم للوطن .
دقة الاشتغال على شخصيات بعينها عكس مدى البحث والدراسة التي سبقت كتابة السيناريو لتظهر على الورق محملّة بالتفاصيل فتظهر على الشاشة نابضة بالحياة وأقرب إلى الواقع ، وقد اعتمدت السلسلة بشكل أساسي على الحوار لأن طبيعة التوثيق كانت حاضرة بقوة وليتحقق التوازن بينها وبين الخط الدرامي لجأ المؤلف إلى تقديم قصص فيها حالات انسانية وعلاقات حب شفافة ، فالرهان كان في كيفية تقديم دفق من المعلومات بما فيها المعلومات العسكرية بإطار جاذب ومشوق يخفف من المباشرة دون أن يؤثر على أهميتها في التوثيق والتأريخ ، فتابعنا قصص حب تمازجت فيها البطولة مع التضحية وحب الأرض ، وضمن هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى الموسيقا التصويرية (التأليف والتوزيع الموسيقي رعد خلف) التي كانت جزءاً لا يتجزأ من روح العمل ككل فسعت إلى تعميق الحالة المُراد طرحها وزيادة جرعة التأثير فيها ، ولتحقيق ذلك تم اللجوء إلى التنويع بالموسيقا والعناية في التوزيع الموسيقي واختيار الآلات المستخدمة في كل مرة ، فهناك مشاهد كان العزف فيها لآلة واحدة فقط فتتماهى مع المكان كما في نهاية الصفحة العاشرة وهي الحلقة الأخيرة من (رصاصة قدر) ، أما في حكاية (سحق الطغاة) فعمّقت الأصوات البشرية المترافقة مع الموسيقا من حالة التأثير ، لتشكل الموسيقا عاملاً محرضاً ، خاصة أن لكل حكاية موسيقاها التصويرية التي تحاكي روحها .