الثورة أون لاين- علي الأحمد:
لم يكن ينقصها شيء في الحياة، سوى الحب، الذي أضنى روحها وجسدها النحيل، ولهذا بدّدت حياتها القصيرة في متع الحياة غير آبهة بمكانتها كأميرة، وبصوتها الساحر الذي قارب الإعجاز في كثير من محطات مسيرتها الفنية الخاطفة.
-كانت تعلم وتدرك جيدا، ان عمرها قصير، فأقبلت على الحياة بكل جوارحها، غير مدركة لما سيحدث لها إن استمرت على هذا الحال، وكان لتلك الخيبات في الحب كما أسلفنا دور كبير في تشكيل شخصيتها كأنثى وكأنسانة تمتلك عاطفة وصدق ووفاء نادرين في زمن عز فيه الوفاء، دفعت من أجله أثماناً باهظة من رصيدها، على المستويين الحياتي والإبداعي. وانعكس كل ذلك حزناً ووجعاً دفيناً حتى في أعمالها الغنائية الساحرة، التي عبرت بعمق عن مأساتها في الحياة، ” فرّق مابينا ليه الزمان، وإيمتى حتعرف إيمتى، وياللي هواك شاغل بالي” ، وغيرها من روائع خالدة، كتبت من خلالها قصة حياتها الخاطفة وتلك الخيبات والانكسارات المريرة التي جرحت روحها، كما صوتها الملئ حزناً شفيفاً، لتنثر كل هذه الدرر في عقد ألماسي توجها كأميرة في الغناء والأداء التعبيري الساحر، الذي اختزن كل قواعد وأصول الغناء العربي المتقن، بفضل موهبتها العظيمة، وتنوع أساليب أساتذتها الكبار الذين رأوا بهذا الصوت امكانات خارقة تقارب الإعجاز المبهر بحق.
– فمن استاذها الأول ” داوود حسني” الذي أعطاها هذا الأسم الفني، الى الموسيقار المجدد محمد القصبجي، والموسيقار محمد عبد الوهاب والموسيقار رياض السنباطي وصولاً الى ابداعات شقيقها الموسيقار فريد الأطرش، نقلت أسمهان عبر صوتها الماسي ألحانهم العذبة بكل حرفية واقتدار، والأهم بقدرتها التعبيرية المذهلة، وارتحال صوتها المقتدر مابين الطرب العربي الأصيل والألحان التي قاربت الأعمال الغربية الكلاسيكية كمانرى على سبيل المثال لا الحصر في “ليالي الأنس، وياطيور، وهذا إن دل فإنه يدل على الإمكانات الصوتية المذهلة لهذه الفنانة التي اختزنت روائع الغناء العربي في فترة قصيرة تذكرنا بالفترة التي عاشها الحداثي الأول في موسيقانا العربية الشيخ سيد درويش،حوالي السبع سنوات كانت كافية لتفجر طاقاتها الابداعية وجمالية أدائها في عقد بديع وآسر من تجليات زمن الفن الجميل الأصيل وروائعه الخالدة شعراً ولحناً وصوتا. نعم انكسرت أسمهان كثيراً في حياتها، لكنها كانت تدرك في قرارة نفسها وتؤمن بأن التاريخ سينصفها ويفيها حقها، كأميرة عاشقة للحياة وكفنانة لها طريقها ومسارها الفني الخاص، وهذا مؤكد من خلال أعمالها الكبيرة والعظيمة بالمعايير النقدية والجمالية، حيث كتب الكثير عن هذا الصوت العذب، وعن الأداء التعبيري وعن حضورها المشع أينما حلت وارتحلت، يكفي ان نذكر بعضاً من تلك الروائع الخالدة التي احتلت مكانة رفيعة في تاريخ الفن المعاصر “ليت للبراق عيناً، أسقنيها بأبي وأمي، أنا اللي استاهل، ايها النائم، أوبريت قيس وليلى، يابدع الورد، أنا أهوى، وغيرها من روائع ” لنتأكد من حجم الخسارة والفجيعة الكبرى برحيلها غرقاً لتعود كأميرة متوجة بعد أن كتبت أسطورتها الخالدة، وسكنت بها الى الأبد.