الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
يُذكّرنا هذا الجوّ المشتعل، بحقيقة الإنسان العارية، حيث بدائيّة وجوده في عالمٍ، سمحت له الطبيعة فيه، أن يترعرع ويكبر في أحضانها.. هيّأت له مداها ليفكّر ويكتشف ويعمل، بعد أن كستهُ وهذّبته، وأغدقت عليه العطاء، فبات يعيش على خيراتها، ويستظلّ بفيءِ أشجارها، متأمّلاً جمال أزهارها والورود التي عطّرته..
فعلت له كلّ ذلك، بحبٍّ أرادتهُ يثمرُ فيه، كي يعتني بها أكثر وأكثر، لكنّه أنكر كلّ ما أغدقته عليه، فتمرّد عليها وأهملها وطغى وتجبّر..
خانها ولم تخنهُ، عرّاها بعد أن كستهُ.. يبّسَ اخضرارها، وقطع نسلَ أشجارها، لوّث الهواء الذي أمدّته به فأحياه، وخنق فضاءاتها، بضبابيةِ وسوادِ مبتغاه.. رمّدها بحرائقِ جشعه ولم يشبع، فأحال النقاء الذي كان يتنفّسه، إلى أوبئةٍ أخطرها حقده الذي استشرى، فكان الأخطر والأبشع….
إذاً.. الأرض غاضبة، ممن احتوتهُ وضمّته إبناً، فلم يبادرها العطاء، بل مضى يعيثُ فيها أذى، متمادياً وضالاً جداً.. وهبتهُ جمالها وجلالها وثمارها، فتنكّر لكلّ ما وهبتهُ إياه، ومضى يجرُّ أخلاقه العارية، ناسياً أو متناسياً، أنه مازال يتسربلُ بأفضالها..
ها هي تعرّيه كما عرّاها، وتشتعل غضباً يحرقه، مثلما حرقها وبات يتأفّف من احتضارها.. هاهي تلقّنهُ درساً، فتصفعهُ بأمومتها المتجدّدة والمتبرِّئة منه، وتطردهُ من رحمتها، تاركةً إياهُ يعاني من قسوتها، لتريهِ كم طغت قسوته.
نعم، هو غضب الأرض، والأرض هي الحياة.. غضبها من الإنسان الذي غدرَ بها، بعد أن أغدقت عليه كلّ ما يرتقي به، ويمكّنه من صنع المعجزات.. الغضب الذي جعلها توقدُ بحرارتها ذاكرته، علّه يفكّر ولو للحظاتٍ، ببشاعةِ ما اقترفه بحقّها، بل وبحقّ كلّ ما منحهُ جدواه، فانسلخ عنه وتماهى في غباءِ، لن يلهمه أبداً، إطلاقِ أسئلته:
هل يغضب العلم؟.. هل يغضب العدل؟.. هل تغضب الأخلاق؟!!..وأيّ كارثةٍ تلك التي ستحلّ عليه، إن كان سبب كلّ هذا الجحيم الذي يعيشه، لمجرّد غضب الأرض – الأم؟!…
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء27-7-2021
رقم العدد :1056