رسم السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته التوجيهية يوم أمس أمام الحكومة الجديدة لوحاتٍ عديدة مهمة، ومن ضمنها لوحة اقتصادية ذات أهمية كبرى مكّننا من خلالها الدخول إلى بعض الأعماق، ورؤية أبعادٍ متكاملة يجب أن تتضافر، أو على الأقل أن تتدرّج بشكلٍ علمي وفني دقيق، وصولاً إلى اقتصاد معافى وحالة معيشية جيدة، وذلك عندما ربط الإصلاح الاقتصادي بالمالي والضريبي.
وفي الواقع فبالإضافة إلى الكثير من المراجع فإن منطق الأمور يشير إلى تلك الحاجة الماسة لتطوير القطاع المالي وزيادة كفاءته من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، عبر وجود نظام مالي قادر على حشد وتخصيص الموارد المالية بقوة لخدمة الأغراض المنتجة، وتحقيق معدلات نمو قابلة للاستثمار.
وأكبر عائق أمام حشد وتخصيص الموارد المالية، هو تلك الآفات التي تتسلل إلى غلاف محفظة الموارد وجدرانها فتثقبها، لتغدو بعد ذلك جدراناً عائبة، ومحفظة فقيرة وعاجزة عن تجميع الأموال التي تُهدر عبر تلك الثقوب، وبالتالي تصير غير قادرة على خدمة الأغراض المنتجة وتحقيق معدلات النمو المرجوّة، وأبرز هذه الآفات (التهرّب والتهريب).
فمهما بدا المتهربون من الضرائب، ومهما بدا المهربون للسلع والمنتجات الخارجية، آخذين دور اللامبالاة واستسهال جرائمهم الاقتصادية، فإنهم هم السبب الأقوى الذي يقف وراء عثراتنا الاقتصادية، وبالتالي وراء ما نحن عليه من معاناة معيشية.
من هنا تأتي أهمية ما أوضحه السيد رئيس الجمهورية يوم أمس بالقول:
( الإصلاح الاقتصادي يعتمد بشكل أساسي على الإصلاح المالي، لا يمكن أن يكون هناك إصلاح اقتصادي من دون إصلاح مالي، ولا يمكن أن يكون هناك إصلاح مالي من دون إصلاح ضريبي، فإذاً.. نجاحنا في معالجة أو تطوير النظام الضريبي وتحسين مستوى المؤسسات ورفع أداء الكوادر، عندها نتمكن من الوصول للهدف الأساسي وهو عدالة ضريبية ومكافحة تهرب ضريبي، وعندما نتمكن فعلاً من مكافحة التهرب الضريبي وهو ثغرة كبيرة جداً جداً في الاقتصاد السوري، عندما نتمكن من مكافحتها فستحصّل الدولة مبالغ كبيرة من الأموال وسوف تكون قادرة على تقديم خدمات أفضل للمواطنين، بالإطار نفسه نرى أن عمليات التهريب في إطار الفساد، عمليات التهريب، تهريب البضائع والمواد من الخارج وبيعها في الأسواق السورية منتشر بشكل كبير، وهذا تهريب مرهق بلا حدود لليرة السورية من جانب وللصناعة السورية والمنتج السوري من جانب آخر وأيضاً للاقتصاد بشكل عام، الاقتصاد، يصبح الاقتصاد مشوهاً في الواقع ).
إذاً الإصلاح الضريبي أولاً، المتلاقي مع قطع دابر التهريب، وصولاً إلى الإصلاح المالي، لنتمكّن بعدها من إحداث إصلاح اقتصادي حقيقي.
هذا الربط المنطقي والعلمي الذي جدله السيد رئيس الجمهورية جدير بأن تقوم الحكومة بوضع خطة تنفيذية سريعة ودقيقة من أجل تطبيقه بحزم وعدالة، والوصول إلى الإصلاح الاقتصادي المأمول لنخرج من هذا الوضع المعيشي البائس، وهو مسؤولية حكومية بامتياز.
على الملأ – علي محمود جديد