الملحق الثقافي – هفاف ميهوب:
يضطرّنا هذا العالم الذي نعيشه، والمتفاقمُ فيه الجهلِ الذي هو سببُ كلُ ما يتوالى علينا من بشاعات، للبحثِ عن عالمٍ أكثر قيمة وجدوى، وأشدّ جمالاً وطمأنينة وسلام حياة.
إنه عالمُ المعرفة، حيث ضوء العقل الذي يُبهر الحياة، ويُخضعها لما فيه من سحر.. لكن، وإن قال قائلٌ، وقد قال كُثرٌ إن القراءة والثقافة والإبداع، لا يُطعمان خبزاً في هذا الزمن الجائع، أقول: هل أطعَمنا الجهل إلا سموم جاهليّته، لاحقتنا بجلابيبِ ظلامها، وضوضائها الهادرة بأفكارٍ ومعتقداتٍ، انقضّت على وعينا وافترسته، بعد أن خنقت عافيته.
لا.. لا شيء غير العقل يُنقذنا من هذا التدهور الكليّ.. نهتدي بنوره، فنشعر وكلّما أوغلنا في أسراره، بأننا نسمو ونرتقي..
هي ليست موعظة، أو دعوة للمثاليّة، في زمنٍ لم يعد الإنسان فيه يهتمّ أو يبحث، إلا عما يسدُّ به رمقه، بعد أن تكالبت لتجويعه وإخضاعه، كلّ وحوش العالم، وأقذرها أميركا المُتخمة بديمقراطيتها الإرهابية.
إنها الحقيقة التي تؤكّد أن الإنسان السوري، لا يمكن أن يستسلم لأيّ ظرفٍ، مهما قسا عليه وأوجعه.. لا يستسلم بل يواجه، وهو ما فعله على مدى التاريخ ولا يزال، مؤكّداً أنه ابن الشّمس التي وهبت نورها للعالمِ بأكمله…
نعم، الإنسان السوريّ يواجه، وبكلّ ما يملكه وتباركه روحه التي قد لا يشعر بمقدارِ عظمتها، إلا من أطلقها تحلّق وتستكشف، لتعود إليه راضية مرضيّة، تنبضُ بالحياة التي تهبها، أرقى وأجمل عطاءاتها.
إنها الروح ذاتها التي تجعلنا نفخر بأصالة انتمائنا، وإلى هذا الوطن الذي أنجبَ عظماء، كانوا ومازالوا، ورغم معاناة بعضهم وقلقه وعزلته، رموزاً للعالم الشاسع الذي اقتدى بنورهم.. نورُ العقل الذي استبصر «أبو العلاء المعري» إشعاعاته، فاستحقّ أن يقول فيه، وهو يشعرهُ يضيء عينيه:
«كذبَ الظنُّ لا إمامَ سوى العقلِ/ مشيراً في صبحهِ والمساءِ
فـــإذا مـا أطعتهُ، جــلبَ الرحمةَ/ عند المسيرِ والإرســـاءِ»..
التاريخ: الثلاثاء 24- 8- 2020
رقم العدد: 1060