تبدو الولايات المتحدة اليوم كالوحش الجريح المثخن بالصفعات والصدمات، هذا ما يدل عليه ردود أفعالها المتخبطة للهروب من واقع هزائمها العسكرية والسياسية والأخلاقية في أكثر من مكان في العالم، والمشكلة الأكثر خطراً أنها لا تريد التعلم من دروس إخفاقاتها، فتزداد بطشاً وهيجاناً للتغطية على فشلها، ولترهيب الدول الرافضة لسياساتها بأنها ما زالت قادرة على العبث بأمن واستقرار تلك الدول، وإلحاق الأذى والضرر بأمن وحياة شعوبها.
سورية إحدى الساحات الدولية المستهدفة بالإرهاب الأميركي الذي يتصاعد طرداً مع اتساع حالة الهيجان لدى مسؤولي الإدارة الأميركية العاجزين عن قراءة المتغيرات الميدانية والسياسية الحاصلة، فاعتقدوا أن الهروب نحو تأجيج الأوضاع أكثر في درعا البلد سيجعلها محمية طبيعية للإرهاب الوهابي التكفيري وفقاً للمشروع الصهيوني، وتوهموا أن أوامرهم وتعليماتهم إلى جانب البيانات التحريضية الغربية لفلول المجموعات الإرهابية، ستلوي ذراع الدولة السورية لمنع إتمام جهودها السلمية لترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة الجنوبية، وبأن استغلال حالة ضبط النفس التي أبدتها الحكومة تجنباً لإراقة الدماء، ستمكن أولئك الإرهابيين من التمدد والانتشار مجدداً، لكن مخططاتهم اصطدمت بواقع الهزيمة والفشل مجدداً.
الإرباك الأميركي الحاصل في أفغانستان، سبق وأن دفع بايدن لاستنساخ كذبة محاربة الإرهاب في سورية مجدداً، لتحاشي انتقادات خصومه السياسيين في الحزب الجمهوري، وطمأنتهم بأنه لن يعيد كرة الانسحاب من المناطق التي تحتلها قواته الغازية، ويتوهم إلى جانب الرؤوس الحامية في إدارته أن الاستمرار بسياسة الاحتلال والعدوان ستثبت التموضع الأميركي الاحتلالي بمنطقتي الجزيرة والتنف لمنع انهيار ما تبقى من فلول تنظيماتهم الإرهابية ( داعش والنصرة وقسد)، وبأن هذا التموضع سيقطع أوصال التواصل الجغرافي بين دول محور المقاومة في المنطقة، وبأن تكرار العزف على أسطوانة “الكيميائي” المهترئة ستدفع الدولة السورية لتقديم تنازلات سياسية عجزت منظومة العدوان عن تحقيقها، وبأن سياسة تشديد الحصار والخناق على الشعب السوري سيدفعه للتخلي عن ثوابته الوطنية، ولكن تطورات الأحداث العسكرية والسياسية جاءت نتائجها مخالفة تماماً للرهانات الأميركية، وأصابتها في مقتل.
انشغال الإدارة الأميركية بتداعيات واقع الهزيمة بأفغانستان، يحتم عليها البحث عن مخارج تحفظ بها ما تبقى من ماء وجهها، لاسيما أن الأكاذيب التي أطلقها بايدن ووزير خارجيته بلينكن لتبرير الفرار من هذا البلد، سرعان ما دحضها هنري كيسنجر الذي أقر بأن الأهداف العسكرية كانت غير قابلة للتحقق، فيما الأهداف السياسية كانت مجردة للغاية ومراوغة، واعتبر أن الفشل “أشرك أميركا في صراعات دون نقاط نهائية محددة، ودفعها داخلياً في مستنقع من الخلافات المحلية”، فهل تعتقد إدارة بايدن أنه بعد الخسائر البشرية والمادية التي منيت بها أميركا من دون أن تحقق أهدافها بأفغانستان، بمقدورها كسب الرهان باستراتيجيتها العدائية الجديدة بالتفرغ لمواجهة الصين، ورفع منسوب التصعيد تجاه روسيا، أو بتحقيق الهدف الصهيوني بإخضاع إيران من بوابة ملفها النووي؟ هي بكل تأكيد ستكون عاجزة، ومخططاتها ستواجه ذات الفشل الذي حصدته في سورية والعراق واليمن ولبنان، والأجدى أن يسيطر مسؤولوها على حالة هيجانهم، ربما يتلمسون بداية الطريق لتصحيح مسار سياساتهم العدوانية.
من نبض الحدث- ناصر منذر