الملحق الثقافي:وجيه حسن :
أيدري قارئي العزيز، ما معنى كلمة «الأقحوان»؟.. جاء في المعجم: «إنّه زهرٌ من المركّبات، لونه أصفر ذهبي، ينبتُ بريّاً في السّهول، ولاسيّما في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط، وتُعدّ كثرتُه من أشدّ الأعشاب ضرَرَاً بالمزروعات».. فلو قال أحدهم: «إنّ فلاناً أقحوانيٌّ بطبعه وفي مجتمعه»، فماذا تعني هذه الجملة؟!.. إنّ لهذه الجملة الاسميّة دلالة محدّدة، ومغزىً معيّناً، والمقصود أنّ هذا المشار إليه شخصٌ منبوذٌ اجتماعياً، وذو وجهين أو أكثر، فهو يتّسم بنفسيّةٍ التفافيّة، لُطّخت بالوحل والقطْران، واتصفت بالضّرر والتّعدّي، ولا فائدة منها لخير المجتمع وصلاحه بتّاً..
مثل هذا «الأقحوانيّ» مرفوضٌ رفضاً باتّاً بين أوساط الناس، وهل بيننا مَنْ ينكر أو يتجاهل أنّ وطننا من مائه لمائه، بأمسِّ الحاجة إلى شبابٍ نابض بالإيمان أولاً، وبسياسة الانطلاق والتحرّر والانعتاق من أصفاد التخلّف والتكلّس الفكري تالياً، فبلدُنا يتطلع اليوم إلى رجالٍ أشدّاءٍ في عقولهم وأبدانهم وثقافتهم، يعرفون عن قناعةٍ راسخة متجذّرة كيف يصنعون غدهم المشرق، كيف يصوغون مستقبل الأجيال الصاعدة صياغة لائقة خيّرة، ليكون للوطن حضوره القوي الدائم بين الأمم والشعوب، وليكتسب احترام الآخرين، لأنّ الحياة ترفض الضعفاء الأذلّاء، ولا تعير اهتماماً إلا للأقوياء النّافعين الخيّرين..
السؤال هنا: هل بمقدور هؤلاء «الأقحوانيّين» الشّكلانيّين، أنْ يصنعوا هذا الإشراق، وذاك الانطلاق، وذلك الخير؟ وأنْ يعانقوا قرص الشّمس بكلّ ذهبها وضيائها ومَدَاها؟.. إنّ التفكير «الأقحواني»، والإيمان به، والذود عن أصحابه ومناصريه، والعمل على تكريسه بين جنباتِ المجتمع، أمورٌ في غاية الخطورة، وذروة التّعدي! وحينها وعندها، لا بدّ أنْ تعمل قوافل الوطنيين المخلصين الشّرفاء، على تخليص المجتمع من رِبْقة هؤلاء وأمثالهم، ومن ركام هذه «الأعشاب» البشريّة الضارّة، تلك التي تفتك بجسد الوطن، وتشظي لُحْمته وسُدَاه، ليصبح في نهاية المطاف وطن الضياع والتّشرذم والفراغ..
الأسئلة العريضة: كيف ينهض وطنٌ ما منْ كبوته وانحداره؟.. كيف يلملم أشلاءه المبعثرة؟.. كيف يلحق بقطارات الأمم المتحضّرة؟.. هل باتّباع خرائط الضياع والتّشرذم والفراغ والفساد؟ أم ببذل قصارى الجهد لبلوغ الهدف المرسوم، والسهر على أمن العباد والبلاد، واحترام القوانين وتطبيقها تطبيقاً فعلياً، وقطع الطريق على «الأقحوانيّين» والمزيّفين والأدْعياء والشّكلانيّين؟..
أليس بالعلم المستنير، والتربية الناجِعة، وثقافة التّنوير، واحترام الآخر شريكنا بالوطن، والالتزام بالعمل الوظيفي المخلص، ومحاربة النفس الأمّارة بالسّوء والفوضى والفساد، تصل سفينة الوطن إلى برّ الأمان والسلام؟ ألم يقلْ مثلٌ عربيٌّ قديم: «ليس بِصياحِ الغُرابِ يجيءُ المطر»؟..
وقال شاعر:
«مَنْ ليسَ يسخُو بمَا تسخُو الحياةُ بهِ
فإنَّهُ أحمقٌ بِالحرْصِ يَنْتَحِرُ»
ولا نجافي الحقيقة بالقول: إنّ أمّة العرب، من محيطها لخليجها، تحتاج أكثر من أيّ وقتٍ مضى، للمّ الشمل، وحُسن تربية أجيالها، وبذل قصارى الجهود للوصول إلى غدٍ أزرق، يعيد الفرح إلى وجوه الأطفال، بعد أنْ غيّبت نضارتَها أدْخنةُ الحرائق، وروائح البارود، ومَشاهِد الفتك والدّمار؟ وخوفاً على فلذات الأكباد من الانخراط في حَمْأة التخلف والاحتراب والضّياع..
القطار الحضاري سبقنا بآلاف الأشواط، بينما «الأقحوان الصهيوني المعتدي» لا يزال يدفعنا بكلتا يديه، إلى هاوية التخلف والسّقوط والاقتتال الداخلي والفوضى.. وإلى المزيد من إراقة الدّماء البريئة.. إنّه لا يتوانى عن استخدام كلّ «الأسلحة» المُتاحة، قصد إعادتنا لظلام القرون الوسطى، حيث القهر والضّياع والعتمة، وفقدان التركيبة الاجتماعية المُثلى، وحيث «شريعة الغاب».. ثمّ هل بيننا مَنْ ينكر أنّ «الأخطبوط الصهيوني» يتفاقم خطره، وتكثر جرائمه، ويتنامى «أقحوانُهُ» الضّار يوماً إثر يوم؟!..
إزاء كلّ هذه المواقف العنصرية البغيضة، أليس التصدّي الحاسم هو المنطق الذي يُعوّل عليه المقاومون الفلسطينيون، «المُخلصون»، للوصول إلى حقهم المشروع بحق العودة، لبيوتهم وأراضيهم وبيّاراتهم؟.. أليست «مقصّات التقليم المسنونة»، هي التي تجعل الزرع نظيفاً مُعافى، وتبعد عنه كلّ شيء ضارّ؟ حتى يأخذ سَمْتَه الصحيح نحو الإيناع والعطاء والإثمار؟..
الفكر الصهيوني دون أدنى ريب، هو «أقحوان العالم الضّار»، وهم بمواقفهم النّازية المُتعنّتة، وبسموم أفكارهم وسياساتهم الخبيثة الرّعْناء، ووحشيّة جرائمهم، إنما يريدون لأمتنا أنْ تبقى على الدوام سنداناً لمطارقهم، فهم يجتهدون أنْ نبقى موجودين على هامش الزمن، وأنْ نكون منفعلين لا فاعلين بكلّ الأحداث العالمية، بينما هُم بتفكيرهم «السّرطاني – الأقحواني» الضّار، يعملون بدأبٍ منقطع النظير، على تجويف الإنسان العربي من محتواه الوطني والقومي والأخلاقي، ومن عنصر المقاومة، وتفريغه من التفكير بمصير وطنه، ونهضة أمته! ولا شك أنّ الإمبريالية العالمية هي «السّماد» المفضّل للحقل «الأقحواني- الصّهيوني»، وهي التي تعمل على رِيّه ونمائه، ومدِّه بكلّ ما يلزم منْ عتاد وتأييد وعناد، ومن دعمٍ لوجستيّ وغير لوجستيّ، بغية استمرار وجوده وعنصر بقائه، ولو جاء ذلك على حساب الحقول المُخضرّة والمُزهرة، أو على حساب حقوق أهل الأرض الأصليين.. ولو قُيِّض لأطفالنا وعظمائنا الشّهداء في فلسطين وسواها، أنْ يستمروا على قيْد الحياة، لكانوا رماحاً مسنُونة في وجوه القتلة «الأقحوانيّين الجُدد»، ومَنْ عاضدهم من أرباب الاستكبار العالمي، بالسلاح والمرتزِقة والحقد، الذين اندفعوا – منذ عشْر السنوات – إلى وطننا السوري المقاوم، كالجراد الجائع، تقتيلاً وتحريقاً وتدميراً وتهجيراً للناس الآمنين الأبرياء، واستخداماً للسيارات المفخخة، وقصفاً حاقداً بقذائف الهاون والصواريخ و»مدافع جهنّم»، على المدنيّين العُزّل.. وحتى دُوْر العبادة المقدسة، والمؤسسات الإعلاميّة والثقافيّة والتعليميّة والتنويريّة، لم تسلم من أذيّاتهم وجرائمهم…
التاريخ: الثلاثاء7-9-2021
رقم العدد :1062