الإنسانُ بين الفعلِ وردِّ الفعل

الملحق الثقافي:غسان كامل ونوس *

تمضي الحياة بين أفعالٍ كونيّة طبيعيّة، وأخرى من قِبل كائناتٍ حيّة بشريّة أو غيرها، تتكرّر، وتستجدّ، وبين ردود أفعال لها، قد تؤدّي، بدورها، إلى ردودٍ وردود، وتستمرّ هذه السلسلة المعقّدة المترابطة والمنبتّة إلى أمدٍ غير معروف.. والعلاقة بين الفعلِ وردّ الفعل، مهمّة وجدليّة وقلقة ومتحوّلة ومتباينة؛ لا حسب نوعيّة الفعل وجوهره وشدّته فحسب؛ بل حسب من يقوم بالفعل، وكيفيّة أدائه وسلوكه، ونبرة الفاعل -أو الفاعلين- وملامحه، والظروف المرافقة أو المؤثّرة لممارسة الفعل، والمناسبة والوقت، والغاية المرتجاة أو النتيجة المحتملة، والنتيجة الحاصلة.. كما تتّصل هذه العلاقة، بمن أو ما يقع عليه الفعل، أو يستهدفه، أو يتأثّر به، ودرجة التأثير، والقدرة على التحمّل، والمرونة والحيويّة والإيجابيّة أو السلبيّة لديه، وبحالته النفسيّة، ووضعيّته الاجتماعيّة، ودرجة حساسيّته، أو قدرته على الامتصاص والتسامح وغضّ البصر والأعصاب، وطاقة الفهم والتفهّم والاستيعاب، والتأويل والتفسير؛ إضافة إلى طبيعة العلاقة بين الفاعل والمُنفعل، وما بينهما من تعارفٍ أو تعوّدٍ أو ابتعاد أو جدّة، ومن ألفةٍ أو نفور، ومصلحة متبادلة، أو ذات اتّجاهٍ واحد!.. لهذا؛ بعضِهِ أو جلِّهِ، فإنّ المرء، في فعله وردّ فعله، يواجه عناصر وظروفاً وشروطاً واحتمالات غير محدّدة وغير محدودة، ومن الطبيعيّ أن يتوقّع الفاعل بعضها، وقد يقصدها، ويبقى بعضها الآخر رهن الاحتمالات، التي يمكن أن يكون منها ما هو مفاجئ بغبطة وسرور، أو أسى وخيبة. وقد يتوقّف هذا، أيضاً، على من يقيّم الفعل أو ردّ فعله؛ حَكَماً كان، أو مسؤولاً في الحيّز، الذي يشهد الفعلَ وردّ فعله، مختصّاً في موضوعه، أو مطّلعاً، أو جاهلاً، وهل التقويم أمرٌ يقع في نطاق مسؤوليّته، أو اهتمامه الشخصيّ، أم إنّه شاهد، يمكن أن يُسأل فيه وعنه، أو مراقب حياديّ لا علاقة له، وقد جعلته المناسبة أو المصادفة يعاين، وقد يتأثّر، ويصمت، أو يروي ما يعرفه، وما حدث فعلاً، من دون زيادة أو نقصان، وقد يُزيد أو يُنقص لمصلحة أحدٍ أو جهةٍ، أو للتقليلِ من الانعكاسات والارتدادات والأذيّات، التي تستدعي مزيداً من الأفعال والأفعال المقابلة، والخسائر النفسيّة والجسديّة والمادّيّة، وربّما يكون التلاعب في الوقائع، لِغِلٍّ وحسد وغيرة وتشفٍّ وانتقام، وتأجيج النيران من جديد، وقد يأتي هذا نتيجة تطفّل وثرثرة ورغبة في الإخبار الملوّن والمزيّن والمثير، من دون مراعاة ما يمكن أن يحصل، أو التفكير فيه، أو الاهتمام بمخلّفاته وأصدائه..
أمّا من جهة العفويّة، فإنّ الفعل البشريّ عادة ما يكون مخطّطاً له، وتكون عناصره وأدواته وأساليبه معروفة، ومحضّرة لتنفيذه، ويكون الفاعلون المخطِّطون والمنفِّذون متوقِّعين لردودِ الأفعال المحتملة، ومستعدّين لاستقبالها ومواجهتها أو معالجتها، في الوقت، الذي يكون فيه ردّ الفعل أكثر عفويّة وغريزيّة وطبيعيّة، من دون إهمال العناصر المؤثّرة المساعدة أو المعاكسة؛ إضافة إلى عنصر المفاجأة، الذي قد يجعل الفعل صاعقاً، ويترك المعرّضين له في حالة صدمة وارتباك وحيرة، وربّما يكون هذا مقصوداً ومطلوباً وجزءاً من التخطيط والتحضير!.. ومن الأفعال ما يكون مرتجلاً، أو عارضاً أو طارئاً، وتكون ردود الأفعال كذلك، وهذا يتوقّف على قدرة الشريحة، التي يصيبها الفعل، أو تتأثّر به، على المقاومة والاستيعاب، وعلى وعيها وخبرتها وتماسكها وقوّة انتمائها.
ومن الأفعال ما تستمرّ دوّاماته أزمنة مختلفة، حتّى تتخامد، وتنتهي تأثيراتها، وقد تتردّد، وتتفاقم في عددٍ كبير من الكائنات، وفي أكثر من حيّز أو بيئة أو جيل!..
ولا بأس في أن نذكر ما هو معروف ربّما، وهو أنّ الفاعل يمكن أن يكون شخصاً مفرداً، أو جماعة من الأشخاص المستقلّين، أو المنتمين، إلى جهات خاصّة؛ غايتها الترويج والدعاية لها، والتنفيذ لمصلحتها، ويمكن أن تكون شخصاً في جهة عامّة؛ مسؤولاً أو مأموراً، وقد يكون مؤسّسة رسميّة صغيرة أو دولة، وما بينهما من أنواع المجموعات المنظّمة أو المنتظمة، أو الموظّفة أو العاملة في أيّ قطاع وميدان، وهناك مؤسّسات وتنظيمات وشركات خاصّة أو مشتركة أو لها بعد دوليّ وعالميّ عام، يتجاوز نشاطها وممارساتها الحدود. وقد يعلن الفاعل عن مشروعه وأهدافه، ويمكن أن يكون الفاعل الحقيقيّ مخفيّاً أو مجهولاً، يظهر بعد حين، أو يُكتشف، أو لا يظهر أبداً؛ كما قد يظهر الانفعال على عددٍ محدود، ويبقى منفعلون آخرون من دون رصدٍ أو متابعة أو اهتمام.
إنّ مجالات الفعل والحركة والتأثّر والتأثير، لا تُحدّ، ولا يمكن حصر الفاعلين، ولا توقّع جميع الأفعال مع هذا العصر المفتوح أو المصدّع والمشرّخ والمخترق، وهذا الكون اللانهائيّ، وهناك جهات وكائنات قد لا تعرفها، ولا تعرف أهدافها، ولا مواقعها، وتتدخّل في ما تأكل، وتلبس، وتمارس؛ تحبّ، أو تكره… وتحاول الوصول إليك من قرب وبعد، ومن حيث تدري ولا تدري، وفي أيّ وقت وظرف وحال، ولديها من المقاصد والغايات، والإمكانيّات المتقدّمة، والأدوات المتنوّعة، والأساليب المختلفة، ما تحاول من خلالها التأثير المباشر أو غير المباشر، على أكبر شريحة من الكائنات العاقلة- وغير العاقلة أحياناً- المنظورة وغير المنظورة، الفاعلة وغير الفاعلة، عن طريق الخبر، والصورة، والخلفيّة، والموسيقا، والتحليل، والتقويم، والتحفيز، والتكرار، والتعدّد؛ كما عن طريق المادّة، والسلعة، والموضة، والعرض، والفبركة، والإيهام، والتعمية، والإغراء، والإغراق، والتشويق، والتخويف؛ باستخدام أشخاص مجهولين، ومعروفين، ومشهورين، وما يلزم، ويصنّع، ويحوّل، ويحضّر، بأقلّ الكلف أو بأثمنها؛ على أمل الوصول إلى أقصى نتيجة، وفي الوقت المناسب لها؛ بل في كلّ وقت.
ولا يمكنك، في أيّ موقعٍ أو زمن كنت، أن تبقى خارج نطاق التأثّر بالأفعال وردود الأفعال، والأخطر أن تظنّ نفسك في منأى، وتتصرّف على هذا الأساس، فتصبح عرضة للأفعال وردودها، من دون أن يكون لك صوت أو صدى؛ وإذا كنت، لا بدّ، متأثّراً بردودِ أفعال، من حيث تحتسب، أو لا تحتسب، فإنّ من المهمّ، أن تكون فاعلاً في الوقت، الذي تريد، وبالأهداف والطرق والوسائل، التي تحدّدها، أو تسعى إلى ذلك، بتصميم وإرادة ورغبة ووعي بما يمكن أن يكون من ردود أفعال، تستعدّ أيضاً لمواجهتها، وللمبادرات ذات الأفكار الجديدة، والمشروعات الرائدة، والدروب التي تشتقّها لنفسك، أو لفريقك، أو لمؤسّستك، لم يسبقك إليها أحد، أو ليست معروفة قبل الآن، وهنا تكون لك أفضليّة الإقدام، والإنجاز، ومن ثمّ يكون لك حضور، وحيّز، وظلّ، ومنعكس؛ حتّى إن لم يحالفك النجاح، الذي تأمل، أو كانت لمبادرتك ارتدادات غير متوقّعة!..
إنّ مسار الحياة لا يتوقّف، بنا، أو من دوننا، وكلّما استطعنا، أن نكون حاضرين في إدارته، ومعاينته، وإدراك ما يجري، أو يمكن أن يجري، والتعامل معه بما يلزم، أو بما يمكن، على أقلّ تقدير، كان ذلك تأكيداً على أنّ لنا مكاناً، وأثراً، وحضوراً في المشهد العام.
إنّ العنصر الفعّال النشط الحيويّ في الأفعال وردودها، هو الإنسان؛ من دون أن ننفي دور الكائنات الأخرى المعروفة وغير المعروفة، في هذا، وقد وصل الإنسان باستخدام ملكاته، إلى إنجازات هائلة، في نطاقات الأعلى والأعمق والأسرع، وغيرها؛ كما وصل الإنسان بالإنسان إلى أن يفخّخه، ويفجّره، أو يجعله يفجّر نفسه؛ ناهيك عن فعلته بكثير من الكائنات الأخرى!..
ومن المؤسف أنّ كثيراً من الأفعال الشاذّة، أو المؤذية أو الهادفة إلى ما يخالف القوانين والنظم والأخلاق، تبقى من دون محاسبة، لأنّ عريضة الاتّهام ومطرقة النطق بالحكم بيد الفاعل القادر؛ في الوقت الذي قد يحاسَب فيه من وقع عليه الفعل، ولا حول له ولا قوّة!..
وهذا وسواه يدفعنا إلى التفكير جدّيّاً بالفعل الحقيقيّ المجديّ، الذي يجب أن نكون قادرين على التخطيط له، والاستعداد للقيام به، مع توافر الضروريّ والممكن والفعّال؛ من العناصر والأدوات، وأهمّه الإنسان؛ وهذا أيضاً يؤكّد أهمّيّة القيام بما يلزم لضمان تحصين الناس، وتقوية مناعتهم، وتوعيتهم، وتدريبهم على مواجهة ما قد يتعرّضون له من أفعال، بأفعال مضادّة مؤثّرة، وردود أفعال معبّرة عن مسؤوليّة واستعداد ووعي، تقرأ ما وراء المشهد، كما تفصّل في حيثيّاته، وتستعدّ أكثر فأكثر لما يمكن أن يكون أقسى، وبأساليب مغايرة؛ كيلا نفاجأ بما صار معتاداً، ونقع ضحيّة سهلة، أو فريسة مسهِّلة للاختراق، من حيث لا ندري، أو ندري؛ وتلك الخسارة القصوى!..
 *شاعرٌ وأديب وقاص

التاريخ: الثلاثاء7-9-2021

رقم العدد :1062

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة