الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
الحرب التجارية بين واشنطن وبكين تطورت الآن إلى ما يسمى بالحرب الباردة المدفوعة بأيديولوجيات مختلفة، فقد تراجعت العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2018 عندما أدى قلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العجز التجاري إلى فرض تعريفات عقابية على الصين.
ثم أعقب الرسوم الجمركية قيود على وصول الصين إلى المنتجات الأميركية عالية التقنية والاستثمارات الأجنبية التي تنطوي على مخاوف أمنية ومزاعم عن ممارسات تجارية صينية “غير عادلة”.
على الرغم من مناشدات مجتمع الأعمال الأميركي لتخفيف التوترات، فقد قام الرئيس الأميركي جو بايدن حتى الآن بتضخيم سياسات سلفه من خلال تعزيز التحالفات المناهضة للصين وتنفيذ عقوبات إضافية، ويصف بايدن الآن الصراع مع الصين بأنه “معركة بين منفعة الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين والأنظمة الاستبدادية”، حسب زعمه.
لكن المنطق الذي قامت عليه الحرب التجارية الأميركية كان معيباً للغاية، والقيود الأحدث ذات دوافع سياسية تأتي بنتائج عكسية نظراً للعواقب الاقتصادية المدمرة طويلة الأجل لكلا الجانبين. ومع ذلك، كانت هناك مؤشرات قليلة حتى الآن على أنه من المحتمل أن يغير بايدن مساره، وفي غضون ذلك، قد يكون الأوروبيون في وضع أفضل لإجراء مناقشات عطاء ومثمرة مع الصين بشأن صنع السياسة الاقتصادية.
كان الخطأ الأولي لإدارة ترامب في شن حرب تجارية هو افتراض أن العجز التجاري للولايات المتحدة، الذي يحدث عندما تستورد دولة ما أكثر مما تصدر، كان سيئاً بطبيعته وأن الصين هي المسؤولة.
ومع ذلك، فإن العجز التجاري ليس مؤشراً جيداً على حالة الاقتصاد، والموازين التجارية الأميركية مدفوعة إلى حد كبير بالعجز المرتفع في الميزانية الفيدرالية الأميركية، والذي لا علاقة له بالصين.
والمفارقة هنا هي أنه بعد ثلاث سنوات من بدء الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب لإصلاح العجز التجاري للولايات المتحدة، انتعشت التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين الآن إلى أعلى مستوياتها، وزاد الفائض التجاري للصين، بينما ازداد العجز في الولايات المتحدة.
كما ردد ترامب أيضاً الآراء الشعبية ولكن المضللة منها بأن الشركات الأميركية كانت تستثمر بشكل مفرط في الصين، ما أدى إلى خسارة القدرة التنافسية، ولكن على مدى العقدين الماضيين، ذهب 1 إلى 2 في المئة فقط من الاستثمار الأجنبي الأميركي السنوي إلى الصين. على النقيض من ذلك، استثمر الاتحاد الأوروبي، الذي يمكن مقارنته بالولايات المتحدة من حيث حجمه الاقتصادي، ما يقرب من ضعف ما استثمرته سنوياً. يجب أن يكون القلق هو السبب في أن الولايات المتحدة تستثمر القليل في الصين بدلاً من الكثير.
إن مفتاح العلاقات الاقتصادية الأكثر انسجاماً هو الاعتراف بأن الصين الأكثر تقدماً لا يجب أن تهدد رفاهية الغرب، فالولايات المتحدة وأوروبا والصين يتمتعون بمزايا نسبية مختلفة تنعكس في تكوين صادراتهم، وتتخصص أوروبا في السلع والآلات الاستهلاكية عالية الجودة، بينما تتخصص الولايات المتحدة في المنتجات الزراعية والمكونات عالية التقنية والخدمات، أما الصين فهي متخصصة بالسلع الاستهلاكية الأساسية. لهذا فإنه يمكن لجميع الأطراف الاستمرار في الازدهار من خلال العمل في ظل نظام تجاري دولي قائم على القواعد.
ومع ذلك، فإن التوترات بين الولايات المتحدة والصين أصبحت الآن مدفوعة أكثر بسبب التنافس بين القوى العظمى والقومية، وهي عوامل تفاقمت بسبب انعدام الثقة المتبادل بشأن النوايا الاستراتيجية لبعضهما البعض. وفي وصف علاقة الولايات المتحدة المتعددة الأوجه مع الصين، شددت إدارة بايدن على الحاجة إلى “التنافس والمواجهة والتعاون” في نفس الوقت. ولكن كما أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2021، فإن “المنافسة هي من أجل السعي وراء التميز، وليس بقتل المنافس”.
لم يكن للتدابير التجارية العقابية تأثير يذكر فيما يتعلق بتغيير النتائج الاقتصادية، وتوضح تجارب البلدان في جميع أنحاء العالم أن العقوبات عموماً لا تفعل شيئاً يذكر لحمل الحكومات على تغيير معتقداتها الأساسية. وبدلاً من ذلك، هناك المزيد يمكن تحقيقه من زيادة اعتماد الصين على نظام تجاري دولي قائم على القواعد حيث تسعى الدولة إلى أن تصبح دولة أكثر ازدهاراً وحداثة.
فالتحدي الآن هو الابتعاد عن الحرب الباردة المدمرة للذات من خلال العمل داخل النظام الاقتصادي الدولي للتحكيم والتخفيف من حدة التوترات، ويجب أن تأتي المبادرة بهذا الخصوص من أوروبا، بالنظر إلى أن الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة متحدون في نهجهم المتشدد تجاه الصين.
قد يكون لأوروبا والولايات المتحدة أهداف متشابهة في التعامل مع الصين، لكن أوروبا أكثر اندماجاً اقتصادياً مع الصين من حيث الاستثمار والتدفقات التجارية. وبسبب هذا، فإن الجانب التنافسي لعلاقتهم يوفر إمكانية أكبر لتحقيق المنفعة المتبادلة، علاوة على ذلك، فإن أوروبا ليست منشغلة بسياسات القوة العظمى ولا تعتمد على المزايا التكنولوجية مثل الولايات المتحدة، ما يجعل الكتلة أكثر انفتاحاً على التسوية.
إذا كانت الولايات المتحدة تريد الحفاظ على سلطتها التكنولوجية والأخلاقية، فعليها أولاً التعامل مع نقاط الضعف الاقتصادية والسياسية في الداخل، وإن التحسر على سياسات الصين “غير العادلة” لن يحل هذه المشكلة. بدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة التركيز على تعزيز قدرتها التنافسية الاقتصادية، وصياغة التماسك السياسي الداخلي، والعمل مع الشركاء الأوروبيين والآسيويين لبناء مؤسسات دولية دائمة تخدم جميع الأطراف.
بقلم: كارنيغي اندومنت
المصدر : Carnegie Endowment