حين سقطت أثناء بروفة عرض (البجعة السوداء) لتشايكوفسكي، اعتقدت أنها لن تتمكن ثانية من النهوض، بضعة أيام سرعان ماعادت بكامل حيويتها…
لم تعرف يوماً الحياة الطبيعية، جل وقتها بين التدريبات الجسدية الشاقة، لا تتذكر عدد الليالي التي بكت فيها، وهي تحاول السير نحو حلمها…وما بين الخوف من خذلان جسدها، والمنافسة والغيرة…
تمضي أيامها مع أصابع تدمى في معظم التدريبات…في البداية اعتقدت أن الأمر وقتياً، سرعان ما تعتاده، ولكن مع تتالي الأيام ، ومع كل قفزة هوائية تتقنها كانت تتعمق المعاناة، فتلك القفزات لا تحتاج فقط الى قوة تحمل، بل إلى تحدي الذات والانتصار عليها، في كل كبوة تميل إليها..
خلف كل تلك الرشاقة، والليونة و قوة العضلات ومتانتها، تدريب يومي شاق، في كل لحظة تتحدى الراقصة كل شيء (جسدها….تطوير قدراتها…تخطي منافساتها….).
وما بين تحد وآخر تنهال عليها علامات الاستسلام، وهي أصعب ما يمكن أن يكسرها، ولكن حين ترتدي بدلة رقص الباليه سرعان ما تتحول الى أخرى… تملأ المسرح رقصاً على أنغام اعتادت الاستماع إليها منذ طفولتها…
اليوم أثناء العرض الذي تقدمه بمناسبة اليوم العالمي للباليه الذي يصادف في التاسع عشر من شهر تشرين ابتدأ العرض وهي ترتدي ملابس البجعة السوداء وإحدى منافساتها المتمرسات تقوم بدور البجعة البيضاء……
نسيت تماماً كل ما تعيشه آنياً، عادت إلى زمن مؤلف الموسيقا الروسي تشايكوفسكي،
كيف فكر…؟
ماذا شعر…؟
تقمصت وتعمقت ودخلت بالدور إلى كل خلاياها…
حين انتهى العرض، لم تكن تدرك هل ربحت، خسرت…حتى تصفيق الجمهور الكبير، لم يجعلها تثق بأدائها…
الوقفة المتأرجحة على المسرح التي أخبرتها عنها فيما بعد والدتها، أبعدتها بكليتها عن كل معاني الفوز…انشغلت بكل تلك العيون المتربصة، ولكن الستارة الخمرية اللون جعلتها تصحو لتحلق ثانية على أنغام تشايكوفسكي وكأنها تسمع في أذنها ألف قصيدة… جميعها تحثها على أنها تمتلك شغفاً لا يقهر…!.
رؤية – سعاد زاهر