أرواحٌ بريئة في مهبّ الموت..

الملحق الثقافي:وجيه حسن:

في البدء والمُنتهى، فإنّ «الحيوان البشري» وحدَه فقط، الذي ارتكب (جريمة الجسر) وسط العاصمة الفيحاء دمشق، بتاريخ الأربعاء 20/10/ 2021، بكلّ توكيد، لا يقيم أيّ وزنٍ للطفولة، للحياة، للكلمة، للموقف، للثقافة، للشّرف، للرّجولة، لحريّة الآخرين، لأرْواحِ الأبرياء، لجامعة دمشق القريبة، للوطن العزيز الصّامد برمّته..
وما دمتم أيّها المجرمون القتَلة – وأنتم خفافيش الليل، وَوَطاوِيط المواقف – لا تقيمون أيّ اعتبارٍ لهويّة الوطن، وأناسِيّه، وأطفاله، وأبريائه، وطرقاته، وجسوره، وساحاته، وهوائه، ووروده، وموسيقاه، وأشجار زيتونه، وياسمينه الأبيض والأصفر، ومكتباته العامرة بالكتب الدّسمة الثمينة، لمؤلفين عظام كبار، إذاً لماذا تعيشون في جنباته؟ وتأكلُون من خيراته؟ وتشْتَمّون هواءه وعطرَ أزاهيره؟ لماذا تخونون خبزه وماءه، وبحره وسماءه، ونسائمه العليلة، ومواقفه المشهودة في وجهِ تتار العصر الصهاينة الأوْغاد، ومَن لفّ لفّهم، وفجّرَ بأوامرهم، وانطوَى تحت أحذيتهم؟ لماذا تسكنون منازل الوطن إذاً، وتزورون أسواقه وجبل قاسيونه وحوانيته ومقاهيه وأماكن السياحة والاستجمام والمتنزّهات فيه؟ أنتم في نذالة أعمالكم، وفي شوفينية تفكيركم، أكثرُ دمويّة من «هولاكو»، و «التّتار»، و»جنكيز خان»، وصهاينة العصر وكلّ عصر..
زمانكم المُتصخّر أيّها المجرمون القتَلة، المأجُورُون بحفنةٍ قليلةٍ أو كثيرةٍ من الدولار «الأخضر – الأسود» كسوادِ قلوبكم، وديجورِ أرْواحكم، قد أدركه الاعوجاج والتهتّك منذ ولادتكم الخطأ، وثقافتكم الخطأ، وتربيتكم الخطأ، وحياتكم الخطأ، ووطنيتكم الخطأ، ووجودكم الخطأ، وتنظيمكم الفاشي الخطأ.. نعم إنّ زمانكم المُتّشح بالسّواد والقطران والجهل والحقد والغباء والعَمَى والسّقوط، قد أدركه الاعوجاج، منذ زمن بعيد، كذيلِ كلبٍ أعور..
إنّ الحزن السوري عامّة على رحيل الضحايا الأبرياء، من مدنيين وعسكريين، الذين سقطوا في (جريمة الجسر)، تصل مواجعه إلى النّخاع، إلى الأوْردة والشّرايين وأشغفة القلوب وأنْوِطِتِها بآن..
الآن تأتي حفنة من رُعَاة الجريمة وأسيادها وناسِجِي خيوطها السّود في غرف الظلام والتآمر والخفاء، يجنّدون أمثال هؤلاء الأبالِسة العميان، من أناسِيِّ الوطن السّاقطين، الذين ينسبون أنفسهم إلى تنظيم سريٍّ إرهابيّ، ليعيثوا في وطننا الجريح النّازف فساداً وإفساداً، وبأهله الأبرياء قتْلاً وتفجيراً وفتْكاً، وبممتلكاته العامّة والخاصّة تخريباً وتشويهاً وتدميراً، وهم يحاولون واهِمِين منْع الأوكسجين عن أنفاسِ العباد والبلاد في عاصمة الفرح والتّاريخ والشّموخ، لكنْ هيهات هيهات أنْ يصلوا إلى أيٍّ من أحلامهم الدّنيئة، وإلى أيٍّ من أهدافهم الهَمَجيّة..
السؤال الذي يغزو اليوم كثيراً من عقول السوريين الشّرفاء، ويشغل أفئدتهم الواعية مُفادُه: أيُعقَل أن يكون الهواء رهينة بين أيدي هذه الحفنة من المجرمين المَوْتورِين؟ سؤالٌ مُوَالٍ: أليست الحياة الصحيّة المُعافاة سُبّةً في وجوه القتَلة، لأنهم لا يستحقّونها، ولا يعيشون زَهوَها وفرَحَها وقيمتَها وثقافتها؟ سؤال ثالث: أليست الحريّة لعنة سوداء في وجود الإجراميّين الهزيلين، أعني قاتلي بسمات الأطفال، وَزارِعِي الرّعب والحزن والألم في حياتهم وطفولتهم ومضاجع نومهم، وفي الحياة عامّة؟.
إنّ من المغالطات المؤلمة الظالمة، التي تُسقِطها قوى الغدر والإرهاب على بلدنا الآمن المُسالِم زوراً وتجنّياً وبُهتاناً، لَهي الظلمُ عينُه، والوقاحةُ ذاتُها! فليتصوّر القريب والبعيد، كيف أنّ بلد السّلم والسّلام، يُتَّهَم دائماً بالإرْهاب ورعايته وَدَعْمِه، بينما صانعُو الإرْهاب الحقيقيون، ومخترعُوه الظلاميون، هم أصلاً مَنْ يصنع الإرهاب، ويقتل الأبرياء من أبناء الوطن، هكذا جهاراً نهاراً وافتِئاتاً وجنايةً، كما حصل لحافلة المبيت التي احترقت، واستُشهِد مَنِ استُشهِد فيها، وجُرِح مَنْ جُرِح، وكذا ما حصل من أذى وشرٍّ ودم، للأبرياء من المدنيين ولممتلكاتهم، بفعل عبوتين ناسِفتَين زُرِعتا عن سابق تصميم وإجرام وترصُّد في جسم الحافلة، على أيدي أفراد مأجُورِين مُغَيَّبين، باعُوا عقولهم وضمائرهم للشّيطانَيْن الأكبر والأصغر، وقاموا بما قاموا به من إجرامٍ خسيسٍ مُدانٍ وطنياً وأخلاقياً وقِيَمياً وإنسانياً بآن..
إنّ مَنْ قام بهذا العمل الإجرامي الجبان، لا علاقة له، لا من قريبٍ ولا من بعيد، بطهارة الرّوح، ولا بنقاء الفكر، ولا بنورانيّة الثقافة، ولا بصفاء الرّؤية، ولا ببياض القلب، ولا بِزُرْقةِ السّريرة، ولا بحبّ الوطن، وسيردّد الوطنيّون الشّرفاء على مسامع هؤلاء القتَلة قائلين لهم بالفم الملآن:
– حياتكم أيُّها القتلة المأجُورُون، نَيّئة، تافِهَة، جوْفاء، خُلّبيّة، لا طعم لها ولا قيمة ولا وزن، صفراء كرمل الصّحراء، الذي تحرّكه الرّياح شَذَرَ مَذَرَ، كما تحرّككم أصابع أسيادكم، وأرباب نِعَمِكُم كالدّمى.. أنتم في حقيقة مَعَادِنِكم وأفكارِكُم تافهون ساقطون، لا تستطيعون أنْ تكونوا في الحياة شيئاً مذكوراً، بل إنّ الحياة، ودموع النّساء الثّكالى والأرامل، وعويل الأبناء الذين أضحوا أيتاماً بسبب فعلتكم النّكراء، ستلعنُكم إلى آخر العمر وإلى مُنْتَهاه، وستطالُكم هذه اللعنات النّارِيّة الحارِقة بكلّ توكيد أينما كنتم، وحيثما حللتم، اليوم وغداً وإلى قيام السّاعة…
إنّ بلدنا العزيز بِمَسِيْسِ الحاجة إلى فؤوسٍ تحفر، إلى أيدٍ تزرع، إلى عقولٍ مثمرةٍ نافعةٍ تخطّط وتبني وتصنع وتُبدِع وتُنتِج وتكتب، لا إلى أكفٍّ تقتل، ولا إلى أيدٍ تفجّر، ولا إلى فَسَدَة فُجّار، ولا إلى حناجرَ تلهث بالكلام الفارغ، ولا إلى حِياكَة صوف الإجرام في الليل، أو في أنوار الشمس «رائعة النهار»، في ساعات إشراقتها الأولى.. فالشمس كالأطفال اليتامى، تبكي على تجريح أشعّتها وأحاسِيسِها في البُكرة ومطالع النّهار، كما هو توقيت مرور الحافلة، وساعة تفجيرها واحتراقها خلال الذروة الصباحية..
وفي هذه الحادثة الأليمة وسواها، وفي إزْهاق هاتِهِ الأرْواح البريئة، يقول أحدهم:
«ادفنُوهم كيفَما شِئْتم/ عِشقُهم للأرضِ أبْقَى/ عِشقُهم للأرضِ أقْوَى/ عِشقُهم للأرضِ أنْقَى..
هُمُ الآنَ من الأرضِ التي أنْبتَتْهم طالِعُون/ إنّهم مِنْ كلِّ فجٍّ طالِعُون/ رَحِمُ الأرضِ بهم صارَت عيوناً وجداوِل/ وارتعاشاتِ سنابِل..
تمسكُ الأيدي سيوفاً/ قدْ غَواها التّيهُ كيْ لا تقترب/ إنّها للزّيفِ لا للحربِ صارَت تنتسِب»…

التاريخ: الثلاثاء26-10-2021

رقم العدد :1069

 

آخر الأخبار
قضية دولية تلاحق المخلوع بشار الأسد.. النيابة الفرنسية تطالب بتثبيت مذكرة توقيفه  بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة الجفاف يخرج نصف حقول القمح الإكثارية بدرعا من الإنتاج  سوريا نحو الانفتاح والمجد  احتفال الهوية البصرية .. تنظيم رائع وعروض باهرة "مهرجان النصر" ينطلق في الكسوة بمشاركة واسعة.. المولوي: تخفيضات تصل إلى 40 بالمئة "الاقتصاد": قرار استبدال السيارات مزور مجهولون في طرطوس يطلبون من المواطنين إخلاء منازلهم.. والمحافظ يوضح بمشاركة المجتمع الأهلي.. إخماد حريق في قرية الديرون بالشيخ بدر وسط احتفالات جماهيرية واسعة.. إطلاق الهوية البصرية الجديدة لسوريا الشيباني: نرسم ملامحنا بأنفسنا لا بمرايا الآخرين درعا تحتفل .. سماءٌ تشهد.. وأرضٌ تحتفل هذا هو وجه سوريا الجديد