ربما يختصر البيان الأميركي الفرنسي المشترك عقب لقاء جو بايدن وإيمانويل ماكرون على هامش قمة مجموعة العشرين في روما، أبعاد وأهداف السياسة الأميركية من وراء الدفع المستمر نحو تسخين أجواء التوتر على الساحة الدولية.
البيان المشترك أكد على عدة نقاط من بينها مواصلة التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهدف تعزيز النظام متعدد الجوانب المبني على “القواعد”، ودعم جهود الشراكة الإستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والناتو في مجالي الأمن والدفاع، وأن ثمة مسؤولية مشتركة عن قيادة وضع “الحلول العالمية” من أجل الاستجابة للتحديات العامة، وهذا يدل على تمسك الغرب بمبدأ “التكتلات” الذي تسعى واشنطن من خلال ترسيخه لإعادة ترتيب موازين القوى العالمية بما يتناسب مع نزعتها للحفاظ على سياسة هيمنة القطب الواحد.
من هنا فإن سياسة التصعيد والاستفزاز الأميركي تجاه الصين عبر تحالف “أوكوس” أو من خلال البوابة التايوانية مؤخراً، وكذلك تحشيد “الناتو” قواته العسكرية بالقرب من الحدود الروسية، وعودة واشنطن العزف على وتر نشر درعها الصاروخي على الأراضي الأوروبية، قد تدفع العالم للانزلاق نحو نزاع خطير يولد المزيد من الحروب والكوارث، خاصة إذا ما ربطنا ذلك مع المساعي الأميركية لمواصلة العمل على تفجير ساحات منطقتنا عبر وكلائها وأدواتها الإقليمية، إلى جانب تنظيماتها الإرهابية.
من الواضح أن ” القواعد” التي تسعى أميركا وحلفاؤها لتكريسها ركيزة للنظام الدولي تستند إلى قانون شريعة الغاب، وليس للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهذا يهدد بالمزيد من الفوضى والحروب، فالقوى العالمية الأخرى، الرافضة لنهج الهيمنة الغربية لن تقف مكتوفة الأيدي، ولن تسمح لأميركا وحلفائها بتحقيق أجنداتها العدوانية على حساب مصالح وأمن الشعوب الأخرى، وهي تمتلك الكثير من أوراق القوة لكبح جماح نزعة السيطرة الأحادية لدى أميركا وأتباعها الغربيين.
الغرب بقيادة الولايات المتحدة، ما زال ينصب نفسه مسؤولاً عن “قيادة” وضع الحلول العالمية للتحديات والأزمات العاصفة، وهذا يشير إلى عدم نيته التخلي عن عقليته المتغطرسة، فهو من يختلق الأزمات، ويشعل الحروب، والحلول التي يسعى إليها، لا تتعدى عتبة الاستجابة لتكريس مصالحه الاستعمارية، والتحكم بمصير ومستقبل الشعوب الأخرى، ولكنه يتجاهل حقيقة المتغيرات في موازين القوى العالمية، وأنه لم يعد بمقدوره التفرد بالقرار الدولي، وهذا انفصال واضح عن الواقع، وبحال عدم تصحيح سياساته الخاطئة، فسيكون الخاسر الأكبر من تداعيات أي حماقات عسكرية أو سياسية يقدم عليها.
سياسة التصعيد الأميركي والغربي على مختلف الجبهات، ربما تكون لإعلاء سقوف التفاوض لحل الأزمات الدولية، حيث القوى الصاعدة “روسيا والصين” هي من تفرض إلى جانب حلفائها الاستراتيجيين – وعلى رأسهم محور المقاومة في المنطقة – معادلات القوة اليوم، ويكفي أن نشير إلى طلب حلفاء واشنطن في أوروبا ومنطقة المحيط الهادي من إدارة بايدن أن تحتفظ بما يسمى مبدأ “الضربة النووية الوقائية” لردع روسيا والصين، لنؤكد وجود مخاوف حقيقية لدى أولئك الحلفاء من إمكانية تراجع القوة الأميركية أمام القوة الصاعدة لمن تسميهم خصومها الدوليين.
نبض الحدث – بقلم أمين التحرير ناصر منذر