الثورة أون لاين – ترجمة غادة سلامة:
سواء كان الأمر يتعلق بأفغانستان أو قضايا أخرى، فقد عاشت الولايات المتحدة دائماً مع صراعات وحروب مع الآخرين، و لعل ما يلفت النظر اليوم هو علاقة الولايات المتحدة المتناقضة مع باكستان حيث تتأرجح هذه العلاقة بين الصراع تارة، والتعاون تارة أخرى، وهذه العلاقة حددتها حاجة واشنطن للتعاون مع إسلام أباد لخدمة بعض المصالح الأمنية والاستراتيجية الهامة للولايات المتحدة مستغلة حاجة باكستان للدعم الاقتصادي الأمريكي.
واللافت هو أنه حتى عندما تتقارب مصالحهم، فإن سياساتهم وتصوراتهم لم تتقارب في كثير من الأحيان، لم يتمكنوا من بناء المبدأ التنظيمي لعلاقة طويلة ودائمة تقوم على إطار مفاهيمي ورؤية مشتركة واستمرارية.
لقد كانت علاقات باكستان الوثيقة مع الولايات المتحدة تاريخياً مرتبطة بالجغرافيا السياسية (1954-1965 و 1979-1990) أو قضايا تتعلق بالولايات المتحدة والأمن العالمي (2001-2011)، لكن الجغرافيا السياسية المتغيرة في القرن الحادي والعشرين، والتحديات الأمنية التي أعقبت 11 أيلول قد حولت جنوب آسيا إلى ساحة لتحالفات جديدة بين اللاعبين الإقليميين والعالميين، حيث تجد باكستان نفسها في الجانب الخطأ من واشنطن، لقد أدى ذلك إلى تغيير ديناميكيات انخراط الولايات المتحدة مع باكستان.
وتأثر ميزان القوى في جنوب آسيا بشكل كبير بالتوترات بين الولايات المتحدة وبعض دول آسيا، وبدلاً من التقريب بين باكستان والولايات المتحدة فإن الجغرافيا السياسية اليوم تفرق بينهما، وواشنطن تستاء من مساهمة إسلام أباد في فشل حرب أفغانستان، وباكستان تشعر بالحزن لأنها تكبدت خسائر فادحة من نكسات حرب أفغانستان وحرب الولايات المتحدة الوهمية على “الإرهاب”.
و ستواجه باكستان رياحا معاكسة غير مؤكدة بشأن مستقبل أفغانستان، هذا عدا عن تحديات الإرهاب والتطرف في الداخل، إن جهود إسلام أباد لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الباكستاني يتطلب التنقل الناجح لهذه التحديات وعلاقات جيدة مع جميع القوى الكبرى ومنها الولايات المتحدة التي هي أيضا بحاجة إلى باكستان، لأن واشنطن لديها بعض المصالح المهمة المتعلقة بأمن أفغانستان واقتصادها واستقرارها والتي يمكن أن تسهلها باكستان.
تود واشنطن أن تمارس إسلام أباد ضغوطاً على طالبان، والمساعدة في عمليات الإجلاء المتبقية، وتحقيق تعاون مع طالبان في إضعاف القاعدة وداعش، على الرغم من أن طالبان هي الوجه الآخر لهما، كما تريد الولايات المتحدة الحد من الانتشار الاقتصادي والعلمي الهائل للصين في باكستان وآسيا.
إن احتمالات الصراع والتعاون موجودة في العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة، حيث أشار وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكين إلى هذه الديناميكية في ملاحظاته الأخيرة أمام الكونغرس، قائلاً إن الولايات المتحدة ستدرس “الدور الذي لعبته باكستان على مدار العشرين عاماً الماضية وأيضاً الدور الذي ترغب في رؤيته في السنوات القادمة وما سيتطلبه للقيام بذلك”.
لكن الخطاب السياسي من كلا الجانبين لا يساعد العلاقات على المضي قدماً ويحظى رئيس الوزراء عمران خان بإعجاب مؤيديه، لكن اقتراحاته بأن باكستان لا علاقة لها بانتصار طالبان في أفغانستان أثارت ردود فعل عنيفة في واشنطن.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة خاصة بشأن باكستان لأنها تريد الحد من التقدم العلمي الصيني الكبير والسريع الذي بات يهدد وجود الولايات المتحدة في آسيا بشكل عام وفي باكستان بشكل خاص، وان معاقبة باكستان ليست هي الطريقة المثلى، ولن يؤدي هذا الأمر إلا إلى زيادة اعتماد باكستان على الصين، وبدلاً من ذلك، فإن تعامل الولايات المتحدة مع باكستان بشكل جيد سيساعدها في حفظ ماء وجهها أمام الصين.