الأيامُ الصّعبة

 

الملحق الثقافي:أمين الساطي:

مشكلتي أنني أعيش عالقاً في حالةٍ متناقضة، بين عالمين مختلفين، متوازيين بالوقت نفسه. عندما كان الأستاذ يشرح الدرس على السبورة، كنت أتخيّل نفسي أستمتع بالتسكّع في إحدى الحدائق. هذه الأحلام التي لا تنتهي، أدّت إلى رسوبي سنتين متتاليتين، في امتحان الشهادة الثانوية، وطردي من المدرسة، فأصبحت أجلس طوال الوقت في البيت، عالةً على أسرتي المتوسطة الحال.
كنت معجباً ببنت جيراننا، وكنت كلّما صادفتها على البلكونة المواجهة، أقوم ببعض الإشارات، لكي ألفت انتباهها، فما يكون منها في كلّ مرة، إلا تجاهلي، وكأنني غير موجود أمامها.. فأردُّ ذلك إلى أن الفتيات يتظاهرن دائماً عكس مشاعرهن. تعلمت ذلك من فيلم «جيمس بوند» الذي شاهدته ثلاث مرات، وفي كلّ مشاهدة كنت أتخيل نفسي، وأنا أقوم بتمثيل هذا الدور، وحولي عددٌ كبيرٌ من الجميلات..
رغبتي بأن أصبح ممثّلاً، سيطرت على تفكيري، لكنني ولسوءِ حظّي، شعرتُ بأنني لن أتمكن أبداً، من إيجاد مُخرجٍ يقدّر موهبتي.
أبي يدفعني باستمرار للبحثِ عن عمل، لكنَّ أمي تقف دائماً إلى جانبي، فأنا ابنها الوحيد بين ابنتين، ولولاها لتركت البيت منذ زمنٍ طويل، وهاجرت.. تقدّمت للحصولِ على وظيفة فرّاشٍ في وزارة السياحة، لكنّي رسبت في فحص المقابلة، وبالنهاية تمكّن والدي من تعييني مساعد ممرّض، في وزارة الصحّة.
أثناء المقابلة، لاحظ الطبيب بأنني شخصٌ ذو معرفة واسعة، فسألني عمّا إذا كنت أتناول حبوباً مهدّئة للأعصاب، أو أتعاطى شيئاً؟. جنَّ جنوني من هذا السؤال، وغادرتُ مباشرةً قبل انتهاء المقابلة، ليتّصل الطبيب بعدها بوالدي، ويقترح عليه عرضي على طبيبٍ نفساني.
فكّرت بكتابةِ روايةٍ عن الأحداث التي جرت على مدى السنوات العشر الأخيرة في سورية، ويكون عنوانها «الأيام الصعبة». توقّعت بأنها ستكون بمستوى رواية «الحرب والسلام» للكاتب الروسي «تولستوي». صحيح أنني لم أقرأها، لكنني شاهدت الفيلم مرّتين، وتأثّرت به كثيراً.
بعد فترةٍ تقدّمت للحصولِ على وظيفة حارسِ غابات في وزارة الزراعة، وتصوّرت بأنها الوظيفة الملائمة لي، ذلك أن سفري إلى الشمال السوري، وطبيعة وظيفتي التي تحتّم عليَّ المشي في الغابات تحت ظلال الأشجار، سيمكّنانني من البدءِ بروايتي، لكن العائق الوحيد أمامي، هو إيجاد الشخص الذي بإمكانه مساعدتي للحصول على هذه الوظيفة.
أخيراً ابتسم لي الحظّ، وتوسّط لي ابن خالتي للعمل عند صديقه، الذي يملك مكتبةً صغيرة لبيع الكتبِ.. وعلى الرغم من أن الراتب كان قليلاً جداً، إلا أنني كنتُ سعيداً بالحصول على هذا العمل، فقد شعرت بأنه سيجعلني أثق بنفسي، ويتيح لي فرصة الكتابة أثناء الدوام.
في الصباح، خرجت متوجّهاً إلى عملي، الشوارع شبه فارغة، وأنا شاردٌ أحلمُ بأشياءٍ كثيرة، ومنها أنني سأصبح كاتباً مشهوراً، بعد الانتهاء من كتابة «الأيام الصعبة»..
أيقظني من شرودي، صوت زمور سيارة خلفي.. لم ألتفت له، وقلت لنفسي: إنه سائقٌ متهوّر يريدني أن أبتعد عن طريقه.. فجأة انطلق صوت عالٍ، نتيجةً احتكاك الإطارات بالإسفلت، وبسبب الضغط الزائد على دعسةِ الفرامل بغية إيقافها فوراً..
نظرت أمامي، فشاهدت سيارة قد تسمَّرت في مكانها، على بعد نصف مترٍ مني، وبسرعة البرق نزل منها شخصان مسلّحان، ملتحيان، متأهّبان.
اقتربا منّي، فلم أعد أفكّر أو أحلم بأيّ شيء، فقد أيقنت بأنني أعيشُ في اليقظة.. شلّت الصدمة إحساسي، ومنعني الخوف من النطق بأي كلمة.. وحده السواد الذي بدأ يحيط بي، بسبب العصابة السوداء التي وضعاها على عينيّ، جعلني أشعر بأنني سأكون أحد الضحايا، الذين لن يتاح لهم أن يُدفنوا، في «الأيام الصعبة».

التاريخ: الثلاثاء2-11-2021

رقم العدد :1070

 

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص