شتاءُ الزمهرير

 

الملحق الثقافي:بديع صقور:

«من أين جاء هؤلاء القتلة؟!.. هل هم ملائكة هبطوا من السماء؟!.. أظنّني أعرف»..
«بابلو نيرودا»
ذاكرتي لا تنكرني:
جدتي «زنوب» حكت لنا عن ذلك الشّتاء الزمهريريّ، الذي تجمّدت فيه حتى مياه المزاريب.. صارت عيداناً بلوريّة معلّقة من المزاريب إلى الأرض.. تكسّرت وذابت بعد طلوعِ الشّمس بأيام.. تزامن ذلك مع موت أبيها في حرب اليمن، كما قالت.
ذلك الشتاء، وبعد التدقيق، تبين لي أنه وقع سنة 1914 حين بدأت «الجندرمة تطارد الشباب لسوقهم إلى جبهاتِ القتال، في الحرب العالمية الأولى. هرب الشباب واختبأوا في الأودية، وخلف الصخور، في ذلك الشّتاء الزمهريري، ومع ذلك لم تسلم زهرة الريح وجوارها من «الشتى»، فقد هاجموها، نهبوها، أحرقوها، ولم يبقوا على دابةٍ أو دجاجة فيها.. علاوة على ذلك، فُرضت «الميرة» على رقاب العباد، حتى على ما يمتلكون من حيوانات وطيور.
تقول جدتي أم شعبان، المعمّرة الأولى في زهرة الريح: كنتُ صبيّة حين وقعت الحرب.. الذين هاجروا، ابتعدوا عنها، والذين بقوا.. من قبضوا عليه ساقوه إلى الحرب، وطوال سنواتِ الحرب، لم ينقطع عنا «الجندرمة» و»الشتى» ومحصّلو الميرة… يأتي فوجٌ ويذهب آخر…
لعن الله أرواح أمهاتهم… كم كانوا ظلاّماً… لم يتركوا شيئاً إلا سرقوه… لقمة العيش كم كانت مرّة وزقوماً؟!. ما لم تأخذه «الجندرمة» أخذه «الشتى»، ومحصلو الميرة… و»الآغاوات».
– «والآغاوات»؟!..
– للـ «آغاوات» حكاية طويلة، وقصصٌ أخرى لا تنتهي… صرنا نتسابق في اقتلاع الأعشاب البريّة، وجمع ثمار البلوط لطهيها وشيّها… آه! يا لتلك الأيام السوداء… سخّم الله وجه أولئك الذين سوّدوا وجوهنا وعيشنا!
* * *
– جدّتي أم شعبان، متى انتهت الحرب؟..
– سنين، وسنين… مات خلقٌ كثير… سوّد الله وجه الحرب.
– والذين هاجروا، من عاد منهم؟..
– بعد الحرب بسنواتٍ عاد بعضهم… يوم وصولهم لم تنم زهرة الريح… دبكتْ، ورقصت وغنّت…
– والذين لم يعودوا.
– ماتوا؟ بقي بعضهم أحياء؟.. لا نعلم عنهم شيئاً.. الله أعلم.. يا حسرتي إذا مات الغريب، لا أحد يدري به، قد يُرمى ولا من يدفنه، والذي يموت لا يعود… المهاجر قد يعود! .
– آي!. ما قلْتهِ صحيح يا جدتي.. المهاجر قد يعود.. الميت أبداً لا يعود.. لو عشتِ إلى اليوم، ماذا كنت ستقولين عن أيامنا هذه؟.. كلّ شيء تطور عندنا.. الحروب تطوّرت.. «الجندرمة» صاروا «آغاوات» و»الشتى» مصلحون، والفقراء ما زالوا ضحايا «الآغاوات» و»الخواجات».
عفواً ياجدتي.. صار عندنا «آغاوات» و»خواجات» كثيرون أيضاً، موجات الحروب والقهر والظلم التي لا تنقطع… مضرموا الحروب والنيران على هذه الأرض أيضاً لا ينقطعون، وكالفئران يتوالدون.
……………..
الجندرمة: عسكر الأتراك.
الشتى: جماعة من اللصوص وقطّاع الطرق، ظهروا أيام الاستبداد العثماني، في بداية القرن الماضي 1900.
الميرة: الضريبة التي كانت تفرض على الإنسان والحيوان، من الولاة الأتراك، وحكام البلاد إبان الاستبداد العثماني، وحكمه لبلاد الشام.

التاريخ: الثلاثاء2-11-2021

رقم العدد :1070

 

آخر الأخبار
سوريا تتسلّم رئاسة مجلس وزراء الإعلام العرب في الجامعة العربية اجتماع سوري دولي على هامش الدورة 93 للإنتربول في مراكش المغربية التدريبات الإسرائيلية في الجنوب.. هل يضيّع نتنياهو فرصة الاتفاق الأمني؟ الأسواق الشعبية في دمشق بين الحاجة الاقتصادية وتحديات الرقابة وفد من "المركزي" يزور معهد الدراسات المصرفية وأكاديمية الفنتك الأردنية طرح العملة السورية الجديدة بين متطلبات الإصلاح النقدي وتحدّيات التطبيق 59 بالمئة من الشبكة الحديدية خارج الخدمة.. وخطط لتأهيل محور الفوسفات وإعادة الربط الإقليمي رفع الوعي والتمكين الاقتصادي.. لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي  انطلاق مؤتمر ريادة الأعمال العالمي في درعا.. وتأكيد على دور الشباب في التنمية وفد وزارة الإعلام السورية يشارك في انطلاق أعمال اللجنة الدائمة للإعلام العربي بالقاهرة مطار دمشق.. 90 ألف فرصة عمل تزرع الأمل في المجتمع السوري قوات الاحتلال الإسرائيلي تمنع أهالي الحميدية من صيانة خط ضخ المياه الرئيسي "موصياد" التركية تختتم برنامج الاستثمار والتعاون لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع سوريا الدورة الأولى لمهرجان ضاحية الشام.. حضور جيد وملاحظات على الأسعار والعروض الرئيس أحمد الشرع يستقبل وفداً من "الكونغرس" الأميركي في دمشق الطاقة البديلة تتقدم في سوريا.. ارتفاع أسعار الكهرباء يسرّع التحول قطاع الأقمشة يواجه تحديات جمركية ويطالب بحماية المنتج المحلي بطاقة 1.2 مليون طن.. معمل فوسفات حمص يستأنف الإنتاج بعد توقف 10 سنوات ارتفاع إصابات التهاب الكبد A بعدة محافظات.. والصحة تؤكد: الوضع تحت السيطرة توسعة معبر "نصيب- جابر".. اختبار حقيقي لتعافي التجارة السورية- الأردنية