الثورة أون لاين – فاتن أحمد دعبول:
لا تزال فعاليات معرض الكتاب السوري المقام في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، تواكب طرح قضايا الكتاب، شجونه وشؤونه، للوصول إلى فعل ثقافي قاسمه المشترك كتاب يبني الغد والمستقبل المشرق.
وعلى جانب المعرض أقيمت ندوة “الكتاب السوري، الدور التنويري وآفاق التطوير” أدارها إياد مرشد المدير العام للمكتبة، شارك فيها كل من د. ثائر زين الدين ونابت عنه سلام الفاضل، الأرقم الزعبي، وأيمن غزالي.
تراجع واضح..
وفي كلمته التي حملت عنوان “صناعة الكتاب السوري على ضوء تجربة الهيئة العامة السورية للكتاب بين د. ثائر زين الدين عبر سرد تاريخ لاكتشاف الإنسان للكتابة، بأن الكتابة هي الفعل الإنساني الأرقى في حياة الكائن البشري، وقد استطاع أن يحفظ ما كتبه على ألواح الطين والرقم والمسلات والأحجار مروراً بالكتب التي وجدت على لفافات أوراق البردي وجلد الغزال، وصولاً إلى الكتاب الورقي فالالكتروني والناطق.
ولكن ما يؤلم أن العلاقة بين الكتاب والإنسان في الوطن العربي تعاني من تراجع واضح، في ظل ازياد نسبة الأمية على خلفية والحروب والأزمات وما تبعها من تدمير ممنهج لمؤسساتها التعليمية والثقافية، وتجلى ذلك كما يوضح مدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب بقلّة عدد المطبوعات وضعف حركة الترجمة، هذا إلى جانب سوء توزيع الكتاب في البلدان العربية.
ويخلص إلى ضرورة معالجة مسألة محو الأمية وتعليم أجيال كاملة منعتها الحرب من حق التعليم، ولكن المفارقة أن الهيئة لم تتوقف عن إصدار كتبها ودورياتها منذ بداية الأزمة إلى الآن، رغم التحديات الكثيرة من فقدان العديد من الكتاب، وارتفاع الأسعار، وانخفاض تعويضات وأجور العاملين في حقل الكتاب.
المعارض نافذة أساسية..
وتمنى الباحث والناشر أيمن غزالي لو تحولت الندوة إلى ورشة حوارية للتفكير بصوت عال، وطرح الحلول عبر مشاركته “صناعة النشر، آفاق ومشكلات وتطلعات” التي بدأها بتوجيه النقد على النواح الذي ساد وسائل التواصل الاجتماعي لإغلاق مكتبة نوبل، ليؤكد أن جمهور الكتاب كان جزءاً من عملية الإغلاق، لأن الثقافة شراكة وليست حالة فردية.
واستعرض بدوره أهمية صناعة النشر في مواجهة قوى الظلام، رغم الصعوبات التي تقف عائقاً في وجه هذه الصناعة كارتفاع الضرائب والجمارك، وكأن الكتاب سلعة وليس مادة فكرية، وهذا الأمر للأسف يمتد على مساحة الوطن العربي، وأيضاً كان لتوقف المعارض نتيجة الحروب وانتشار الوباء، الأثر السلبي على تسويق الكتاب، لأن المعارض هي النافذة الأساس للبيع وانتشار الكتاب.
وتوقف مدير نشر دار نينوى عند العلاقة بين الرأسمال والكتاب، فالناشر يتحمل تكاليف باهظة من الطباعة إلى حصة المؤلف إلى التخزين والتسويق، ويضاف إلى ذلك صعوبات استراتيجية من مثل عدم وجود كوادر إدارية وفنية، وعدم وجود محرر فني في دور النشر يملك القدرة على إيجاد علاقة بين حاضنة الكتاب والتسويق والمنافسة غير الشريفة بين دور النشر.
وأضاف: إن لجوء دور النشر إلى كتب الترجمة أدخل القارىء في مجال شديد التعقيد، إضافة لقلة المشاريع الحكومية وعدم الشراء من قبل المراكز الثقافية، والافتقاد إلى قاعدة بيانات لترويج الكتاب، فلا يوجد دراسة أو بحوث علمية تبين واقع صناعة النشر.
مشروع ثقافة وطنية..
وبعد عرض تاريخي لتطور الكتابة عبر التاريخ، يؤكد الأرقم الزعبي عضو مكتب تنفيذي في اتحاد الكتاب العرب بأن محتوى الكتاب هو العامل المؤثر الأول في سعة انتشاره والطلب عليه في لغته أو ترجمته، ويأتي المثقف ليظهر دوره أكثر في الحالات الصعبة التي تمر بها الأمة ويتهدد مصيرها ويعتدى على تراثها المادي واللامادي، فنحن أمام هجوم على هويتنا الوطنية الجامعة، والواقع يجعلنا بحاجة لمشروع ثقافة وطنية ذات نفع ثقافي عام، تؤمن بالانفتاح والتحاور والتفاعل والتصالح مع الذات الوطنية أولاً، ومع الآخر الذي يحترم ثقافتنا الوطنية ثانياً.
وبين أبرز ملامح الكتاب التنويري المأمول ومنها أن يروج لثقافة تنويرية وطنية إنسانية، ومحتوى يعالج الواقع ويحمل الإبداع والجمال واللغة والدهشة التي تولد الاستقطاب، ومحتوى يحرض على العمل والأمل.
هذه الملامح وغيرها إذا تجاوزها الكاتب والمثقف يتحول إلى صانع كتب وإلى صانع ثقافة واعية وواعدة مستقلة التوجه، فالكتاب وثيقة شاهدة على رؤية الكاتب للقضايا المطروحة في زمن محدد وظروف محددة، وعلى المجتمع الذي حارب أو تقبل مضمون هذه الوثيقة.
وأكد الحضور في مداخلاتهم على أهمية تقديم الدعم الحكومي، وبين هيثم الحافظ أن دور النشر لا تتلقى أي دعم حكومي، رغم امتلاكنا لصناعة حقيقية في النشر، ولا بأس في تخلي الوزارة عن نشر بعض الكتب لإتاحة الفرصة للناشر في النشر.
ورأى إياد مرشد أن الوزارة تقدم دعمها من خلال المعارض، فسعر الكتاب نصف التكلفة تشجيعا للقراءة.
ورأى أيمن الحسن أن المشكلة تكمن في كيف نخلق إنساناً يقرأ، وضرورة تفعيل المكتبة المدرسية وحصة المطالعة.
ليؤكد الأرقم من جديد أن استهداف الدعم من الدولة لا يكفي، بل الحل في الاستثمار الثقافي “رجال أعمال وغرفة الصناعة والتجارة”.