قالوا: إن القوة الاقتصادية بكل جوانبها ومجالاتها تحتل المرتبة الثانية “بعد القوة العسكرية” في قوة الدولة ورفاهيتها، وإن من يملك القوة الاقتصادية يتفوق ليس على العقبات والمطبات التي تتعرض لها، وإنما على غيرها من الدول، وهذا يحتاج إلى إيرادات عامة حقيقية ومحققة، لا ظنية أو متوقعة .. وإلى حراك عملي – مقونن، وعقول وخبرات وكفاءات قادرة على أخذ ولعب دور المؤثر والفعال لا المتفرج لوضع حد لمسلسل فضائح التهرب الضريبي، والتهريب، ووقف مشاهد النزيف اليومي لشريان واردات الخزينة العامة للدولة المقدر بمليارات الليرات يومياً.
فالتوءمة غير الشرعية واللا قانونية بين لعنتي التهرب الضريبي والتهريب، والتراخي خلال المرحلة الماضية والاستخفاف والتسويف والمزاجية في كثير من الأحيان في طريقة وآلية التعاطي مع هذين الملفين الحساسين اقتصادياً، ساهموا وبشكل غير مسبوق في تضاعف عدد كبار المتهربين ضريبياً “النخب”، وازدياد عدد المهربين والمتواطئين معهم، ليسجلوا مجتمعين ثروات “لا تعد ولا تحصى” دون أن يرف لهم جفن بالنتائج الكارثية التي يلحقونها “عن سبق إصرار وتصميم” باقتصادنا الوطني من تثبيط لعجلة خططنا التنموية والخدمية، وتجميد لنشاط مشاريعنا غير المباشر بها وركنها جانباً وإعطاء الأولوية للقائمة منها بشكل جزئي، وزيادة استنزاف مواردنا المالية، وتخفيض نسب الإنفاق العام التي يتم رصدها سنوياً لتغطية التكاليف الباهظة جداً التي سيتم صرفها لرفع مستوى الخدمات العامة، وتحسين الوضع المعيشي والاقتصادي والحياتي على حد سواء، وتأمين فرص العمل والتعليم والرعاية والصحة للجميع .. لأبناء المتهربين والمهربين وغير المتهربين والمهربين.
من هنا، وأمام حتمية إيقاف هذه المهزلة التي لم ولن تعد تطاق، وجدية الدولة في التعاطي مع الملفات الخاصة جداً، جاءت النتائج الاستثنائية للتحرك الاستثنائي لأذرع وزارة المالية “الجمارك ـ الاستعلام الضريبي ـ المصارف” التي أعلنت في سابقة نادرة من نوعها تسجيل تطور نوعي وارتفاع قياسي في الإيرادات العامة الجارية خلال الأشهر التسعة الأولى من الحالي بلغ 160 % مقارنة نفس الفترة من العام الماضي، بقيمة وصلت إلى 1652 مليار، وارتفاع الإيرادات الضريبية بمعدل 104 %، وكذلك إيرادات الجمارك العامة بنسبة 180 بالمئة دون الغرامات، ونقل مصارفها من الخسارة إلى الربح، ووضع كل قرش منها في خدمة تمويل المنح وزيادة الرواتب والأجور والخدمات العامة وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين جميعاً .. والبدء بنعي حالة الفلتان الضريبي والتهريبي “بسرعة لا بتسرع”.
الكنز – عامر ياغي