منذ أن أُعلن عن التقنية المستحدثة والتي أُطلق عليها تسمية (ميتا فيرس) والحديث حولها لم ينقطع، والمواقف حيالها تتباين بين التخوف منها، أو الإقبال عليها، إلا أن لا هذا، ولا ذاك بقادرٍ على أن يستشف مستقبلها الحقيقي كإحدى تقنيات العصر المتطورة.
بالطبع ليست أي تقنية جديدة تدخل إلى عالمنا تنطوي على السلبيات فقط، بل إن لها بالتأكيد جوانب إيجابية واسعة النطاق قد تدخل إلى الطب، أو الهندسة، أو غيرها من مجالات العلم، والعمل، فتقلب الموازين، وتحولها من المستحيل إلى الممكن، واليسير.. وهذا هو واقع الحال مع هذه التقنية.. إلا أننا إذ نكتفي باللهو بواسطتها فإننا سنجد أنفسنا لاشك في فضاء معدوم الجاذبية، فلا نحن على الأرض نقف بثبات، ولا نحن نسير فوق النجوم.. وكل ما في الأمر أن تجارب جديدة أكثر إبهاراً من سابقاتها تقودنا إليها لنسافر عبر الافتراض إلى أماكن لا يمكن لنا على أرض الواقع أن نطأها مثلاً، أو أن نوفر حضور أناسٍ بيننا تفصلنا عنهم قارات، ومحيطات لنجتمع معاً في غرف رقمية وهمية.. كذلك ونحن نتجول داخل (العالم ما فوق الافتراضي) لميتا نستطيع أيضاً أن نتسوق، وأن نحضر الحفلات الخاصة، والعامة، وأن نقوم بكل ما يحلو لنا أن نقوم به.. وغير ذلك مما يمكن لهذا الجديد أن يوفره لنا بهدف إسعادنا، أو لإطلاق أحلامنا.. فهل نحن حقاً سنستخدمه لغاياته أم أن حالاً جديداً سيكون عليه حالنا؟.. إذاً لننتظر حتى تكتمل التجربة، ونرى ما الطارئ الذي يمكن لها أن تحدثه هذه المغامرة الخطرة على مستوى تواصل البشر مع بعضهم بعضاً في مكان ثلاثي الأبعاد يحاكي الأمكنة الحقيقية.
إلا أنني ما أظن أن هذا التفاعل شبه الحي بين الناس بثقافاتهم المختلفة، ومع ما ستتيحه لهم هذه التقنية من إمكانات واسعة المدى، إلا أنه سيفرز مستقبلاً آفاقاً جديدة للفكر، والفن، والعلم، في مسيرة التطور تتحقق معها نقلة نوعية على أصعدة كثيرة منها ما قد يُتوقع، ومنها ما هو غير متوقع.. كل هذا ودون أن ننسى آلاف الوظائف التقليدية التي ستزول، والأخرى غيرها التي ستفتح أبوابها لأجيال من المبدعين الذين سيتعاملون مع التقنيات الثورية المقبلة كما الحالية.
والشركات تتنافس، وهي تتكامل فيما بينها لتقديم خدماتها، وتطمح في الوقت ذاته إلى زيادة منصاتها التي ستخدم (ميتا) بعد أن طورت من وسائلها للتواصل، ولسحب رواد التواصل الاجتماعي الحالي إلى ساحاتها التي ينتظمها واقع (ميتا فيرس)، لا بل أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك، وأدواتها تخدمها، لصنع بيئة خاصة لكل مشارك تصبح عالماً مستقلاً له يفعل من خلاله ما يريد، بينما الأجيال تختلف في قدراتها على التأقلم، والتفاعل مع ما يحيط بها، ودون أن تنسى أيضاً ما يجب عليها أن تقوم به من حماية للمشترك في خدماتها، وضمان حقوقه في مجالها.
خيال واقعي، أو واقع خيالي سنعيشه، بل خيال علمي لم يعد من الخيال يسمح للمرء بأن يقوم بما لا يستطيع أن يفعله في واقعه الحقيقي بفضل الربط بين واقعه هذا والآخر الذي نسجه العلم، والخيال معاً في عالم تشاركي واسع الأمداء.. ولكن هذا العالم الجديد الذي سندخل إليه ألن تخدعنا فيه قدراتنا الافتراضية ونحن نكتسبها من خلاله لو كانت تفوق قدراتنا الحقيقية في الحياة؟ ولو أنها ستفيد ربما بشكل أو بآخر ذوي القدرات ولا أقول الاحتياجات الخاصة.
وإذا ما اختلط لدينا واقع الخيال بذلك المُعاش فهل سنعود أصحاء كما كنا؟.. وهل هذا المعزز، والمدمج سيعزز من واقعنا أم أنه سينتقص منه؟.. وهل ستتداخل قراراتنا الحياتية مع تلك الافتراضية؟.. بل هل من قيودٍ، وضوابط ستحمي أجسادنا من المرض، أو عقولنا من الانهيار إذا ما أصبحت حريتنا مطلقة لا تحدها حدود، ومكاسبنا ولو تعاظمت تظل دون حالة الإشباع؟.
وإذا كنا في السابق، ومازلنا في الحاضر نتطلع إلى خطوات تسحبنا خارج الواقع الافتراضي ولو لخطوة واحدة نحو الوراء فلا نعود إلى إدمانه كما نفعل الآن فهل من سبيل إلى ما ينتشلنا من مساحة واقعين اندمجا معاً هما ذلك الافتراضي، والآخر المعزز إذا ما غرقنا فيهما بينما الرغبة تتعاظم بقدر المتعة الغامرة التي تتحقق من خلالهما بالمقابل؟.
وأنت يا مَنْ تتلهف إلى (ما وراء الكون) هل تريد أن تتشارك مع رفاقك في مباراة كرة القدم؟ أم سترافقني لنحضر حفلاً موسيقياً رقمياً معاً، أم أنك تفضل أن نذهب إلى أشهر مسرح في العالم.. وبإمكانك أن تدعو مَنْ تريد لأن ينضم إلينا؟.. لن يكلفك الأمر أكثر من بعض الحماسة، ونظارات خفيفة ترتديها، وقفازات أكثر خفة تدس أصابعك فيها لتشعر بحرارة يد مَنْ تصافحه، ولا تقلق إذا كنت لا تجيد لغته فالترجمة الفورية بينكما متوفرة وبكل اللغات.. فهل ستقبل دعوتي؟.
(إضاءات) ـ لينــــــا كيـــــــلاني