الثورة أون لاين – خلود حكمت شحادة
برعاية وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح والمديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق وجمعية الحفاظ على التراث التاريخي و الثقافي الروسية “الفيلق التطوعي الاستكشافي” معهد التراث. د. ليخاتشوف (موسكو) ، ومركز كاباردينو-بالكاريا العلمي التابع لأكاديمية العلوم الروسية (نالتشيك) ، و شركة OKN-project ذ.م.م (روستوف)… عقد صباح اليوم المؤتمر الصحفي السوري- الروسي في القاعة الدمشقية في المتحف الوطني بدمشق، شرح خلاله كل من الاستاذ تيمور ميخالوفيتش كارموف رئيس الفيلق التطوعي الاستكشافي والدكتور نظير عوض مدير عام الآثار والمتاحف ومعاونه الأستاذ همام سعد واقع العمل في تدمر الخاص بإعادة تدعيم وتنظيف نبع أفقا الذي تعرض للتخريب خلال السنوات السابقة و تراكم الردميات والخطوات التي انطلق بها فريق العمل وفق جدول زمني لايتجاوز الشهرين هدفه إعادة مياه نبع أفقا إلى الأراضي التدمرية باعتبار أن هذا النبع له أهمية استثنائية كونه المصدر الأساسي للحياة في مدينة تدمر.
بداية تحدث مدير عام الآثار والمتاحف الدكتور نظير عوض عن الاهتمام الذي تحظى به مدينة تدمر كموقع اثري أكثر من سواها كونها تعد جوهرة المواقع الأثرية السورية.. مشيراً إلى الأمل الكبير لتستعيد هذه المدينة ألقها الذي كانت عليه قبل أن تطالها يد التخريب قائلاً: جاء المؤتمر الصحفي اليوم لتسليط الضوء على العمل الذي نقوم به بالتعاون مع جمعية الحفاظ على التراث التاريخي و الثقافي الروسية الفيلق التطوعي الاستكشافي.
معاون مدير عام الآثار والمتاحف همام سعد ذكر أن مدينة تدمر مدرجة في لائحة التراث العالمي وبالتالي هناك اهتمام عالمي لإعادة الحياة لهذه المدينة وإعادة تأهيل مادمرته المجموعات الإرهابية.
وعن اختيار نبع افقا قال سعد بأن أهميته أتت من كونه شريان الحياة لمدينة تدمر وواحتها التي هي أيضاً مدرجة في لائحة التراث العالمي وكذلك تعرضت أشجارها وبساتينها للكثير من التعديات والحرائق إضافة إلى انقطاع المياه بسبب سد مجرى النبع الذي سبب موت الأشجار.
وبالتالي عندما أتت جمعية الحفاظ على التاريخ كان المشروع الذي يمكن من خلاله إعادة الحياة إلى مدينة تدمر عبر نبع أفقا ومياهه لذلك انطلق العمل بعد دراسة متكاملة عن المراحل التي سيقوم بها وهي عملية تنظيف الركام وفتح القنوات ومن ثم المرحلة الثانية وهي إعادة ترميم واجهات هذا النبع الذي كان مقصداً لزوار تدمر وأهلها ما للنبع من فوائد طبية باعتبار مياهه كبريتية تصل درجة حرارتها إلى 33درجة مئوية ثابتة في الفصول كافة تفيد في الشفاء من الكثير من الأمراض وخاصة الجلدية والمفصلية وحالات فقر الدم وإزالة المواد الرملية في الجهاز البولي نتيجة ارتفاع نسبة الكبريتات فيها.
وبالتالي انطلق العمل منذ أسبوعين وفق مرحلتين، الأولى تنظيف الحوض الذي يشمل آثاراً ولاسيما المذابح ويعتقد أن هناك معبداً لربة الينابيع موجودا في ذات المكان حيث كان هناك بعثة سابقة تعمل في الموقع ووجدت بقايا هذا المعبد كما تم العثور على أجزاء منه ولكن لم يُحدد بعد إضافة إلى العثور على بقايا رؤوس من الجص كانت تزين كورنيشات المباني، قسم منها محفوظ في متحف دمشق وقسم آخر في متحف تدمر تعود إلى الحقية الهيلنستية أي القرن الأول قبل الميلاد.. وأضاف سعد أنه يمكن القول إن المرحلة الأولى قيد الإنجاز والمرحلة الثانية ستبدأ خلال عشرة أيام ومن المتوقع أن ينتهي العمل خلال شهر من تاريخ اليوم ليتم بعدها افتتاح نبع أفقا وعودة الحياة إلى سكان مدينة تدمر وبساتينها وواحتها.
وخلال المؤتمر استعرض رئيس الفيلق التطوعي الاستكشافي تيمور عبر شاشة العرض مراحل العمل في أفقا وقام بعرض وشرح جزء من الخطوة الأولى التي يتم إنجازها تحت إشراف وزارة الثقافة مديرية الآثار والمتاحف بهدف حماية التراث الثقافي.. مشيراً إلى وجود شركات روسية وجامعات تعمل معهم في هذا المشروع.
كما عرض صور نبع أفقا عام 2015 وقد جفّ تماماً وكذلك حال النبع قبل بدء العمل ومن ثم صور لسير العمل فيه موضحاً أنه تم العثور على القنوات المائية في تدمر من الجنوب إلى الشرق بمساحة 6.24 كيلو مترات مربعة.
إجابات وإيضاحات
تم فتح المجال بعد انتهاء السرد في العموم للدخول في التفاصيل من خلال أسئلة وجهها الصحفيون تمحورت حول الموقع الأثري وأهميته انتقالاً إلى كيفية استرداد المسروقات الأثرية وسبل التعاون والاتفاقيات في مجال الآثار والترميم.
بداية أجاب سعد عن سؤال يتعلق بمجرى النبع ومتى ستجري مياهه قائلا:ً ستعود المياه مباشرة إلى القنوات عند الانتهاء من تنظيف الحوض لتصل إلى الواحة، أما بخصوص قوس النصر وترميمه أجاب عوض بأن هناك اتفاقيات ثلاث مع الجانب الروسي تتعلق بترميم قوس النصر ولكن تداعيات كورونا والصعوبات الأخرى حالت دون بدء العمل ميدانياً على الرغم من أن المرحلة الدراسية الأولى والمتعلقة بزيارة الموقع وتصوير المكان وشكل
الانهيار بدأت، وتوقفنا بعد ذلك ولكن لن يكون الوقت طويلاً للبدء بترميم قوس النصر.
وعن كيفية استرداد المسروقات الأثرية أجاب سعد أن هناك شقين أولهما يتعلق بما سُرق من المتاحف حيث نملك سجلات وأرقاما متحفية تمكننا من المطالبة بأي قطعة منها في أي زمان ومكان ولكن الإشكالية تقع في القطع التي سُرقت من المواقع الأثرية والتي لا تملك أي سجلات وأرقام فقط معلومات وبناء على ما كان من سرقات تم افتتاح مكتب استرداد في مديرية الآثار والمتاحف ليتم التواصل من خلاله مع الجهات المعنية كأنتربول دمشق ومن ثم الانتربول الدولي وكذلك التواصل مع اليونسكو عبر سفيرنا فيها، ولا يمكن أن نغفل دور البعثات الأجنبية التي زارت المواقع الأثرية وعملت فيها يمكنها التعرف على تلك القطع وهويتها ومن ثم تزود الجهات المعنية بمعلوماتها ووثائق تشير إلى ظهور تلك القطع في السوق السوداء ليتم استردادها.. ورغم ذلك تبرز إشكالية تكمن في عدم احترام الاتفاقيات الدولية فقد وقعت سورية عدة اتفاقيات دولية في موضوع استرداد الممتلكات الثقافية وبالتالي المشكلة أنه وبسبب العقوبات على سورية لا يمكن التواصل مع بعض الدول لذلك نستعين بجهات أخرى مثل متحف أرميتاج الذي بدوره يعيدها إلى مواقعها الأثرية السورية.
ومن الخبراء العاملين في المكان التقينا بوريس يورينوف الذي تحدث عن آلية العمل وهي تنظيف نبع أفقا من آثار التدمير والأحجار والنباتات المائية وهذه الخطوة انتهت وتم توثيق المنطقة بأكملها وانتقلنا إلى الخطوة الثانية وهي الترميم، وعن سؤالنا عن الصعوبات التي واجهتهم أجاب: لم يكن هناك صعوبات تذكر والعمل مستمر لينتهي في أقرب وقت وفق الخطة وتنطلق مياه أفقا عبر قنواته لتعيد الحياة إلى مدينة تدمر.
تاريخياً..
يعتبر نبع أفقا التاريخي الذي يعود إلى أكثر من ستة آلاف عام أحد أسباب نشوء الحضارات التاريخية في مدينة تدمر وسر استمرار الحياة فيها.
ويقع نبع “أفقا” في الطرف الجنوبي الغربي من مدينة تدمر وتتدفق مياهه من جوف جبل المنطار من مغارة أثرية طولها نحو400 متر تنبع فيها المياه من تسع آبار جوفية طبيعية محفورة في الصخر الكلسي شذبها الإنسان التدمري عبر العصور ونحت على جوانب نهاية المغارة مصاطب ومدرجات وأحواضاً ووضع مذابح حجرية منحوتة لتقديم النذور والقرابين للإله الذي وهب الإنسان نعمة المياه وديمومتها.
أفقا اسم نبع ماء في تدمر كان مقدساً عند التدمريين والتسمية مأخوذة من كلمة نفق، وتفيد معنى «خرج»، ولفظ «فق» يعني النبع في الآرامية الغربية، ويتكرر الاسم في كتابات أوغاريت بمعنى النبع، وفي الآرامية التدمرية: مخرج الماء والنبع والحياة والبداية والأفق والفجر.