فتحت زيارة الشيخ عبداللة بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة لدمشق ثغرة عبور في الصخرة الصلبة للمقاطعة العربية لسورية بعد قرابة عشر سنوات من قرار جامعة الدول العربية تجميد عضوية سورية فيها، فهي الحدث منذ ما يقرب السنوات الثلاث، منذ إعادة افتتاح السفارة الإماراتية ٢٠١٨، وما تلا ذلك من حديث عن مساعي إماراتية للمطالبة بعودة سورية لمقعدها في الجامعة، إضافة للحديث عن فتح آفاق التعاون الاقتصادي، كبوابة لدعم الاقتصاد السوري الذي واجه تحديات كبيرة نتيجة الحرب الإرهابية وما رافقها من عقوبات اقتصادية وعمليات حصار تنفيذاً لقانون قيصر الظالم.
في الواقع لم يستغرب السوريون زيارة الوزير الإماراتي، بل إنها كانت منتظرة ومتوقعة، ليس بالضرورة للشخص والمكانة والمنصب، بل من حيث المضمون المعنوي الذي كان يستبشر به السوريون كثيراً بالعلاقات مع الإمارات، فالأمر الشائع والمعروف أن الإمارات لم تناصب سورية العداء خلال السنوات العشر الماضية، شأن بعض شقيقاتها الخليجيات، كالسعودية وقطر، رغم إغلاق سفارتها في دمشق مطلع ٢٠١٢ تضامناً وتوافقاً مع الموقف الخليجي شبه الموحد، آنذاك.
وبالرغم من المواقف السياسية الداعمة لمواقف المعارضة والمتمردين إلا أن الإجراءات العملية والسلوك الإماراتي كان بعيداً كل البعد عن حالة العداء، كدعم المجموعات المسلحة بالمال والعتاد، أو تقديم تسهيلات لهم، أو السماح لهم بممارسة أنشطة عدوانية ضد الحكومة الشرعية، فسعت لتحقيق توازن سياسي يتناغم مع المجموعة المعادية لسورية دون أن تقوم باتخاذ إجراءات عملية معادية، فسمحت لمعارضين سوريين بتنظيم احتجاجات منضبطة وبأعداد محدودة لمرتين دون حصول مشاكل أو حوادث عنف فيهما.
هذه الخلفية حكمت هذه الزيارة التي طال انتظارها تبعاً لكثير من المعطيات التي كانت تؤكد وجود تعاون وتنسيق مستمر يأخذ أشكالاً اقتصادية وثقافية وإنسانية على شكل مساعدات وخدمات طبية، إلا أنها كانت تخفي خلفها موافقة ضمنية ورغبة حقيقية في تجاوز حالة القطيعة والانتقال إلى علاقات طبيعية، كما كانت عليها قبل موجة الربيع العربي المزعوم.
وقد استقبلت دمشق قبل أكثر من ثلاث سنوات الأديب الإماراتي الراحل حبيب الصايغ باعتباره الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب في اجتماع للأمانة العامة للاتحاد، قام بعدها الرئيس بشار الأسد باستقبال أعضاء الأمانة العامة برئاسة حبيب الصايغ.
كما أخذت العلاقات الاقتصادية مسارات متناغمة، فجرى تبادل لزيارات رجال أعمال من البلدين وصولاً لمشاركة الدكتور محمد سامر الخليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في معرض إكسبو في دبي مؤخراً ولقائه مع عبدالله بن طوق المري وزير الاقتصاد في دولة الإمارات وعقدا عدة جلسات مباحثات هدفت للبحث في سبل التعاون الاقتصادي التي تتجاوز العقوبات الأميركية من خلال التركيز على تقديم احتياجات شعبية في المجالات الطبية ومجالات الدعم في إعادة إعمار ما دمرته في ظل وجود مجلس لرجال الأعمال في البلدين، والاستفادة من كبار رجال الأعمال السوريين ممن يستثمرون في الإمارات لإقامة مشاريع مشتركة باعتبارهم يمتلكون أكثر من ١،٥ مليار درهم وفق بيانات العام قبل الماضي، الأمر الذي يفتح باباً للتعاون الجاد ويذلل عقبات مشاركة المستثمرين السوريين في إعادة الإعمار، كون سورية ستكون مكاناً جاذباً للاستثمارات في الفترة المقبلة، مع وجود قناعات دولية بعدم جدوى معاداة الرئيس الأسد الذي ثبت أمام الحرب والضغوط والعقوبات في وقت يحظى فيه بالشرعية الدستورية ويلقى دعماً شعبياً داخلياً، يجعل المحللين السياسيين والمتابعين يحتارون في فهم الموقف السوري الثابت والصامد مع تردي الأوضاع المعيشية وفقدان الكثير من الاحتياجات الأساسية، ومع ذلك يبدي السوريون تأييداً لقيادة السيد الرئيس بشار الأسد ومواقفه السياسية تجبر الحكومات المعادية على إعادة النظر في مواقفها المتشددة، وهو ما بدا واضحاً خلال العامين المنصرمين.
زيارة الشيخ عبدالله بن زايد السريعة تأذن بقص الشريط الحريري لبدء تدشين علاقات سياسية واقتصادية عربية وأوروبية بصبغة ودية، تم الإعداد لها على نار هادئة لعدة سنوات، وهي ربما تحظى برضا وموافقة الرياض التي تدفع باتجاه دعم تلك العلاقات، كما هي سياستها بالنسبة لحالات مماثلة، فالتنسيق الخليجي يحكم وينظم هذه العلاقات وفق عرف دقيق، إذ يسمح لفريق بفتح ثغرة في جدار صلب، وينتظر النتائج والتطورات وردود الفعل والاستجابة، ليحدد بعدها الخطوة التالية، فالزيارة تمثل موقفاً إيجابياً قوياً يقود قاطرة خليجية ويتجاهل حالة استياء أميركية، بما يماثل قمة جبل الجليد التي يبدو للناظرين جزء صغير منه، فيما يختفي الجزء الأكبر منه في عمق المحيط.
معاً على الطريق – مصطفى المقداد