الحركة التصحيحية فعل مركب ونهج يستمر

 

تعتبر الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد من أهم الأحداث التي شكلت تحولاً في مسار سورية السياسي والاجتماعي وعلى دور ومكانة البعث بوصفه تنظيماً قومياً وبقراءة تاريخية لمسارها الذي امتد زمنياً لثلاثين عاماً ونيف وشهد منعرجات صعبة وخطيرة ومفصلية في تاريخ سورية والمنطقة العربية والعالم، لجهة ما شهدته المنطقة من صراعات وحروب وتقلبات سياسية ارتبطت بالمشهد الدولي ولاسيما بعد سقوط وتحلل الاتحاد السوفييتي السابق، وانعكاس ذلك على حالة الاستقطاب الدولي التي كانت قد تكرست خلال نصف قرن من زمن الحرب الباردة، وما خلفه ذلك من إعادة تموضع لبعض الدول التي كانت محسوبة على الكتلة الاشتراكية، ومن بينها سورية بالتأكيد.

وعلى الرغم من حالة السقوط المدوي لبعض الأنظمة التي كانت ترتبط بعلاقة مع موسكو بالعودة للعنوان بوصف الحركة في كيفية معينة على أنها تفاعلت ونشطت وأنجزت في دوائر ثلاث الدائرة الوطنية والدائرة القومية والدائرة العالمية، فعلى صعيد الحزب شكلت الحركة تحولاً في قاعدة الحزب التنظيمية، حيث اتسعت بشكل كبير لتضم عشرات الآلاف من المنتسبين بعد أن كان عدد المنتسبين عند قيام الحركة في 16 تشرين الثاني عام 1970 لا يزيد على خمسة آلاف عضو عامل وحوالي خمسين ألفاً من المؤيدين والأنصار ارتفع العدد خلال عشر السنوات الأولى إلى أكثر من ثلاثمئة ألف منتسب ما عزز القاعدة التنظيمية بشكل كبير ووسع من حيز الحزب الاجتماعي وحضوره في المشهد المجتمعي، ويعود السبب في ذلك أن استقرار قيادة الحزب وتجاوزها لحالة الصراع بين ما سمي الأجنحة انعكس إيجابياً على الحالة الحزبية بشكل عام بل وتجاوز ذلك إلى المستوى القومي بتفاعله مع المركز في دمشق، والى جانب ذلك حدث تحول كبير في إطار قراءة أفكار الحزب وأيديولوجيته وأدبياته ومنطلقاته الفكرية، حيث تحرر من حالة الجمود العقائدي والقراءة الصلبة لمنطلقاته الفكرية عبر محاولات بعض منظريه (مركسته) تأثراً بما كانت عليه أجواء الحركة الاشتراكية العالمية التي يقودها الحزب الشيوعي السوفييتي آنذاك، وهو الخط والنهج الذي أطلق عليه العقلية المناورة المتسلطة بسعيها الخروج عن روح دستور الحزب وأدبياته الفكرية ومنطلقة القومي الاشتراكي كطريق عربي للاشتراكية، وهنا تكون الحركة التصحيحية قد أعادت الحزب إلى سكته الصحيحة، وحالت دون انحرافه عن محددات نهجه الأساسي القائم على الوحدة العربية والحرية والاشتراكية وفق رؤية البعث ما مكن الحزب من الاستمرار لأنه أنجز وانفتح واستجاب للتطورات دون أن يتخلى عن مبادئه أو ثوابته.

وإلى جانب ذلك انفتح الحزب على القوى السياسية التقدمية في سورية تطبيقاً لشعار لقاء القوى التقدمية فكان قيام الجبهة الوطنية التقدمية عام 1972 لتكون الإطار الواسع لمشترك سياسي وطني يشكل رافعة العمل الوطني والنواة الصلبة لوحدة وطنية قائمة على الشراكة الفعلية في قيادة البلاد وتكريس شعار التعددية السياسية بشكل حقيقي ما جدد في الحوض السياسي بروافد جديدة أغنت الحياة الديمقراطية في البلاد وإلى جانب التعددية السياسية كانت التعددية الاقتصادية التي شكلت داعماً قوياً للاقتصاد الوطني الذي كان يساند بشكل أساسي على القطاع العام ما منح ديناميكية جديدة لعملية التنمية الشاملة التي شهدتها البلاد وانعكست بشكل كبير على الناتج المحلي الإجمالي وحياة المواطنين المعيشية.

وعلى الصعيد القومي العربي كان للحركة التصحيحية الدور الفاعل في تصحيح العلاقة مع الدول العربية وإخراج سورية من حالة القطيعة التي كانت تعيشها حيث اتبعت القيادة السورية سياسة الانفتاح على الدول العربية ولاسيما مصر ودول الخليج العربي ما خلق بيئة عربية أفضل لتضامن عربي كان الأساس في قيام حرب تشرين التحريرية عام 1973 فلولا التنسيق السياسي والعسكري مع مصر وقيام اتحاد الجمهوريات العربية عام 1971 ما كان للحرب أن تقوم بتلك الصورة وذلك التنسيق بين الجيشين العربي السوري والمصري، وهذا ما أشار إليه الرئيس الراحل حافظ الأسد في كلمته التاريخية أمام المؤتمر القومي الثاني عشر لحزب البعث العربي الاشتراكي المنعقد في دمشق صيف عام 1975.

وعلى الصعيد الدولي لم يتخلَ الرئيس الأسد عن تموضع سورية العروبي الاشتراكي المقاوم كما فعلت القيادة المصرية فلم يقايض الانسحاب من القنيطرة وبعض الأراضي المحتلة بإعادة تموضع سورية أميركياً كما فعل السادات وحظي باحترام الأصدقاء وهيبة الأعداء لما تمتع به من بالمصداقية والقوة والوفاء والحكمة السياسية وبعد النظر.

وإذا لنا أن نستبصر في تاريخ الحركة مستحضرين الظروف التي كانت تعيشها الأمة العربية والمنطقة على وجه العموم في سياقها الزمني نرى أن الوضع العربية كانت في غاية السوء حيث آثار عدوان حزيران، وفاة عبد الناصر وما شكله من خسارة للتيار القومي وأحداث أيلول الأسود وضرب المقاومة ومحاولة تصفيتها وصراعات بينية عربية على خلفية حرب اليمن وما لذلك من انعكاسات سلبية على المزاج الشعبي العربي وما اعتراه من إحباط بفعل تلك الظروف نرى في الحركة التصحيحية الحامل لروح عربية جديدة وملء لفراغ تركه رحيل الرئيس جمال عبد الناصر ووقود معنوي غذى نفوس القوميين العرب وحركة التحرر العربية والمقاومة الفلسطينية التي تعرضت لضربة قاسية على خلفية أحداث أيلول الأسود الأمر الذي وفر بيئة إيجابية واستعادة حالة الأمل لدى الجمهور العربي الذي سعى الصهاينة وعملاؤهم من رجعيين وخونة إدخاله في مربع اليأس والخوف والتردد لجهة خلق بيئة تفسح في المجال لقبول الاشتراكات الصهيونية والغربية لفرض شروط استسلام على العرب استثمار في المكاسب العسكرية التي حققها الصهاينة في حرب نكسة حزيران عام 1967.

لقد وضعت الحركة التصحيحية سورية في مكانها الطبيعي والقيادي بين العرب ودول العالم انطلاقاً واستثماراً في موقعها الجيواستراتيجي والجيوسياسي الذي وضعه الرئيس الخالد حافظ الأسد الذي زاوج بشكل مثير بين المبدئية والبراغماتية، وشكلت قيادته حالة فارقة في تاريخ الساسة والسياسة ووضع سورية الموقع والموقف والمكانة، حيث يجب أن يكون يحسب الجميع حسابها وتتحالف مع الكبار دون أن يضعها أحدٌ في جيبه وكانت ومازالت في ظل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد العنوان للقرار الوطني المستقل بالرغم من تغير كل الظروف ومعطيات القوة ولكن الإرادة الوطنية لم تضعف بل زادت قوة ومتانة وإصراراً وتمسكاً بالنهج الذي أرساه القائد المؤسس حافظ الأسد أصبح في ثقافة وأبجدية السوريين السياسية بل وعلامة فارقة تتحدث بكل قوة واعتزاز وفخر عن زمن هو الزمن السوري.

اضاءات – د. خلف المفتاح

 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة