منذ أواخر الشهر الماضي استضاف المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق معرضاً استعادياً للفنانة أسماء فيومي، أتاح أمام الجمهور التشكيلي فرصة نادرة لمشاهدة مجموعة مهمة من أعمال تعود إلى بدايات تجربتها، والمراحل التالية لها، بما يوفر إمكانية تتبع مسار هذه التجربة الثرية في تطورها المستمر.
ولدت أسماء فيومي في العاصمة الأردنية عمان، وعاشت في دمشق منذ مطلع حياتها حيث انتسبت إلى كلية الفنون فيها في فترة شهدت جدلاً واسعاً حول اتجاهات الفن المعاصر مع شيء من الانحياز إلى التجريد، ومع تأثر أسماء فيومي بهذه الأجواء فإنه يصعب وصف أسلوبها بالتجريدي رغم كل ما فيه من اختزال وتلخيص، وقد تكون التعبيرية أقرب للتعبير عن لوحتها الأكثر حضوراً في التجربة، والتي لم تفقد يوماً أصولها الواقعية، مهما بدت هذه الأصول (مرمزة)، أو مخبأة في ثنايا الخطوط الصريحة أو الألوان المتضادة التي تصنع خصوصية اللوحة، وتمنح صاحبتها صفة الملونة باقتدار، وبصرف النظر عن عدد الألوان المستخدمة، فإن الألوان في لوحة أسماء فيومي تمتلك حيوية مدهشة حتى لو بدت شحيحة في مكان ما، ذلك أنها تمتلك حضوراً قوياً و قدرة تعبيرية فائقة، هي بعض ما يدفع لوضع التجربة بأكملها تحت عنوان التعبيرية، تعبيرية محلية غير منعزلة عن مفاهيم الفن الحديث، حيث مناخ اللوحة اللوني المحلي تؤكده معظم أعمال الفنانة، وبشكل أوضح تلك التي صورت باستخدام الألوان ذات المظهر الترابي.
مَعلَمٌ آخر من انتماء لوحة أسماء فيومي يتبدى في أشكال الوجوه بعيونها الكبيرة المميزة التي ألفتها العين، لا في تراث الفن السوري فحسب، وإنما في الحياة اليومية أيضاً، في حين أن المواضيع التي تتناولها هي مما يصعب على التجريد معالجتها، ويرتبط كثير منها بقضية فلسطين التي ظهرت بوفرة منذ أوائل لوحاتها، مسجلة بلغة فنية تعبيرية سامية المآسي التي لحقت بالشعب الفلسطيني على امتداد أكثر من سبعين سنة، وهو حضور لم يخل – رغم وفرته وقوة تأثيره – من فسحة تفاؤل واسعة عبرت عنها تلك الألوان المبتهجة المتناغمة في عدد غير قليل من اللوحات، كما عبرت عنها في وقت سابق عيون الأطفال الواسعة ووجوههم البريئة التي تطل من اللوحة فتظل برفقة المشاهد حتى بعد مغادرة اللوحة، والتي تستعيدها الذاكرة كلما ورد اسم الفنانة.
بعد أكثر من سنوات طويلة من البحث التشكيلي الجاد، والكثير الكثير من المعارض الفردية والجماعية، تجيء أعمال أسماء فيومي الأحدث لتشير إلى التطور الهادئ والواثق والمستمر، الذي شهدته وتشهده تجربتها، وليؤكد حقها بالمكانة الرفيعة التي تحتلها في الساحة الثقافية والتشكيلية ضمناً، في أعمالها الأحدث تشتغل أسماء فيومي، ببراعة وخبرة كثيفة، على خلق التناغم في ذروة التباين، بين درجات اللون، وكذلك بين مجموعات الأزرق والأحمر والأبيض التي صارت تشغل مساحة أوسع في لوحتها ذات الخصوصية التعبيرية والألوان ذات الحيوية المدهشة، ذلك أنها تمتلك، في كل حالاتها وتحولاتها، مناخاً محلياً قوياً متلاقياً مع مفاهيم عصره، وقدرة تعبيرية فائقة لفنانة استثنائية أوجدت لنفسها، منذ منتصف الستينيات، مكاناً متميزاً في المشهد التشكيلي السوري، لا بصفة ممثلة لفن أنثوي – كما يحلو لبعضهم القول – وإنما كرمز من رموز هذا المشهد الذي لا يكتمل الحديث عنه إن أغفل اسمها منه.
هي الحقيقة التي أهلتها لنيل جائزة الدولة التقديرية، وقبل ذلك التقدير الكبير من الوسط الثقافي، والتشكيلي ضمناً..
إضاءات -سعد القاسم