من دون تصنيف

يهاجر الشباب كل يحمل في يمينه شهادته وخبراته، وفي شماله حقيبته وذكرياته، صور أهله وأصدقائه، من يعرف لهم طريقاً ومن غاب وتاه، وفي مخيلته سيطبع آخر نظرة لوطنه، وهو يصعد سلم الطائرة.. هل سيكون طريق العودة سالكاً.. أم تستهويه الغربة..

لم يرغب يوماً في مغادرة معشوقه الأوحد؛ وطنه إلى نهاية مفتوحة.. يحب السفر رحلةً يعود بعدها بصور وطرائف، وملامح ثقافة لم يتعرف عليها قبلاً. لكن أن يذهب مهاجراً أو نصف مهاجر، لا يهمه تصنيف نفسه لأي فئة يتبع، مادام سيترك هويته لصالح جواز سفره.

همه أن يجد عملاً لا يكسر طموحاته ويستطيع مما يحصل عليه إرسال ما يستر عورة حياة أهله، قبل أن تتسع فجوتها. ويحفظ كرامتهم بين أهلهم كعهدهم. لا يهم إن عمل بشهادته أم لا لكنه يرغب ألا يبقى بعيداً عنها طويلاً.. درس واجتهد ليعمل بشهادته ويبدع لأجل وطنه.

يصحّ هذا في معظم الأحيان، لكنه لا يضمن ذلك خارج حدود البلد التي يعشق.. هذا ما أودعه إياه كل من سبقه بالرحيل.. الفقر في الوطن ما كان يوماً موتاً.. لم يكن أهله من الأثرياء لكنهم مصنفون في عداد المستورين.

الطبقة الوسطى التي كانت عماد الوطن.. أخذت تتلاشى بين أنياب الحرب الجائرة، ثم الانفلاش الاقتصادي. طبقة اعتصرتها نواجذ الذين ما عادوا يهابون نداوة جباه من تسحقهم رحى الغلاء الفاحش، ولا وقاحة عيون التجار النهابة للقروش من جيوب المتعبين المنهكة..

نَعَمْ الناس.. لكن ليس كل الناس.. تاه في حيرته وهو على مقعد الطائرة، كيف تربينا سبعاً في بيت لا يعتبر واسعاً، هو ليس بفاخرٍ إلا بأهله، حيث الشرف والرجولة والرزق الحلال والقناعة رأس السعادة.. اليوم بدأ المجتمع يدخل تصنيفاً غير مقنع، فوارق طبقية رهيبة..

تلاشت الطبقة الوسطى، لكن مَنْ هؤلاء الذين تغص بهم المطاعم والأسواق، أليسوا من متوسطي عامة الشعب، وجوه لا نعرفها، إنهم ممن يعيشون على دعم الأهل والأصدقاء ممن هم خارج حدود الوطن، وجوه تتغير كل يوم وفق الوارد، والدعم المحدود على البركة..

ما تصنيف أولئك الذين لا يدعمهم أحد، حيث لا أهل ولا صديق خارجاً.. قروشهم لا تفي أسبوعاً، وعيون أبنائهم تتطلع؛ ولا تجترئ طلب حلو أو فاكهة تغير طعم لعابهم، وعيونهم شاخصة لها. تبرق لحظتها صورة صديقه المهاجر الذي كان مدفنه بطون السمك في المالح.

تلمس كتفيه ومقعد الطائرة؛ تمتم بشفتيه المتقشفتين، الحمد لله أنا أفضل من غيري. رحم الله من غاب في موج البحر. تراه نوعاً جديداً من الحروب، الإرهاب تركه أجرد قاحلاً، كمجرى نهر جف، كل من كان يحذر الوقوع فيه.. يَدْهَسُ اليوم تربه، لا يخشى البلل.

كان الغياب عن الوطن له بداية ونهاية.. كأثرٍ نُقِشَ عليه رسم تاريخ حضارة زينت مقعداً أو جداراً.. أما اليوم فهو نصف المستقيم، له بداية ولا تُعرف نهايته، وكم سني الغياب عنه. هاجر السوريون بدايةً خشية القصف والموت. حدّث ولا حرج.. اليوم يرحلون خشية الجوع والعري.. تراهم عندما روجوا للبنطال الممزق على أنه (موضة) كانوا يُعدّون الجيل لما نحن فيه الآن. كما تأصلت على شاشات التلفزة أفلام العنف، للكبار والصغار.

خططهم جهنمية ونارها حارقة، كنا في مقدمة ما دعوه دولاً نامية، إن تقدمنا للأمام خطوة واحدة نصبح في تصنيف الدول المتقدمة، هذا ما أخافهم منا.. والخشية من تقدمنا تقتلهم. كان لا بد لهم من زلزال يعيقنا.. مصلحتهم استنزاف قوتنا العسكرية.. وتفتيت المجتمع..

فشلهم في تصنيفنا طائفياً أو عرقياً جعلهم يلقون باقتصادنا في مرجل العوز.. لنسوّى على نار هادئة، نصبح بما لا نمسي بالأمس، ونمسي في ذات اليوم على غير ما أصبحنا.. نحن ننكمش اقتصادياً، وهم يتمددون على أرضنا، ويجعلون المال أرخص سلعة وأسرع أداة قوة.

لا بد من تصنيف فئات الشعب بما يؤاتي أهواءهم وتحقيق مصالحهم، والمنابر تعبث بالرؤوس، والشاشات تلحس كل ما تربينا عليه. كمن يلعق البوظة السائحة ممسكاً بعودها خشية وقوعها، لتصبح أكبر حالة ترف ممكن أن يصل إليها صاحب الدخل المحدود.

ذاك الذي لا تنتفخ أوداجه وعضلاته من المال الفاسد، ولا يعرف طريق الفساد، وليس له أصدقاء فاسدون.. لأنه غيرهم تماماً.. هل إفراغ البلاد من كنزها الأغلى؛ شبابها.. غاية الحرب لأنهم الحلقة الأقوى في سلسلة الوطن.. هل علَّقوا في وسطها ثمنها بيافطة صغيرة. كتلك التي تعلق على الجواهر غالية الثمن تحمل نوع الصنف وسعره، ترانا صنفنا أم بدون؟

إضاءات- شهناز صبحي فاكوش

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة