الكثير من عمليات المد والجزر رافقت الجولات الست الماضية من محادثات فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني، والأطراف الغربية تعمدت وضع المزيد من العراقيل عطلت التوصل لتوافق شامل يرفع العقوبات الجائرة عن الشعب الإيراني وفق ما نص عليه الاتفاق المبرم بين إيران ودول السداسية، قبل أن تنتهكه الولايات المتحدة، وتتنصل الدول الأوروبية من تنفيذ التزاماتها، ومن هنا فإن الإصرار الإيراني على أن تكون الجولة السابعة مكرسة لرفع العقوبات غير القانونية والظالمة، حسبما أكده كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني، يعكس الإرادة الإيرانية في التوصل لاتفاق بناء ومجدٍ، فمسألة العقوبات هي المشكلة الأساسية، حيث القضية النووية تم الاتفاق حولها بشكل كامل ونهائي عام 2015، ولا حاجة لإعادة التفاوض بشأنها من جديد.
من خلال سلسلة المواقف التي أعلنتها أميركا والأطراف الأوروبية قبل استئناف الجولة السابعة، يبدو أن الغرب ما زال يعول على سياسة الابتزاز لإعلاء سقف التفاوض، مدفوعاً بضغط قوي من حكومة العدو الإسرائيلي، واللوبي الصهيوني المتغلغل داخل أروقة الحكومات الغربية، وتأتي زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى أوروبا لإجراء محادثات مع القادة البريطانيين والفرنسيين، على رأسهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ووزيرة الخارجية ليز تروس في لندن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، لتصب في إطار المحاولات الإسرائيلية لتعطيل جولة محادثات فيينا، ومنع التوصل إلى اتفاق، وبحال انصياع الأطراف الأوروبية للرغبة الإسرائيلية، فلا شك في أن هذه الجولة ستصل إلى طريق مسدود، كما وصلت إليه الجولات الست السابقة.
حتى الآن، يبدو أن الهدف الأميركي من وراء مفاوضات فيينا، هو محاولة الجلوس مع الإيرانيين لمحاولة استدراجهم نحو مناقشة مسائل أخرى من خارج نطاق الاتفاق، وليس العودة إلى الاتفاق نفسه، وهذا ما ترفضه طهران جملة وتفصيلاً، فالمفاوضات يجب أن تركز على كيفية عودة أميركا للاتفاق، فهي التي انتهكته وانسحبت منه وليس إيران التي أوفت بجميع التزاماتها، وطريق العودة يرتب على واشنطن رفع كامل عقوباتها، وتقديم ضمانات قوية لعدم انتهاكه مجدداً، ويرتب أيضاً على الدول الأوروبية الالتزام بتعهداتها، وهي لا بد من أن تدفع في النهاية ثمن فشلها في الحفاظ على الاتفاق، وتكف عن مواصلة السير خلف السياسة الأميركية والصهيونية، حفاظاً على مصلحة شعوبها.
الجولة السابعة، هي فرصة للدول الغربية كي تراجع حساباتها الخاطئة، وتعود إلى التزاماتها بموجب الاتفاق المبرم عام 2015، فهي ستخطئ مجدداً بحال استمرت بالمراهنة على إمكانية ابتزاز إيران، أو خطر ببالها ممارسة ألاعيب جديدة لاختبار المفاوض الإيراني الجديد على سبيل المثال، فهو لن يكون أقل حنكة وتمسكاً بحقوق الشعب الإيراني من سابقه، وكما أكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، فإن هذا الفريق المفاوض “حضر إلى فيينا وعلى طاولة المفاوضات بشكل فعال متزوداً بحسن النية والجدية ومنطق تفاوضي يعتمد على حماية مصالح الشعب الإيراني وحقوقه”، واليوم يبدو واضحاً أن الموقف الإيراني أكثر قوة من عام 2015، خاصة في ظل نفاد أوراق الضغط على إيران، فهل تمتلك أميركا وشركاؤها الأوروبيون الإرادة السياسية الكافية لتظهير اتفاق منصف وعادل لحقوق الشعب الإيراني؟، الأيام القادمة ستجيب عن ذلك.
نبض الحدث- ناصر منذر