لن تكف الأذرع الأميركية عن العبث التخريبي باستقرار الدول على امتداد الخريطة الدولية ولن ترمي واشنطن علبة ثقابها التي تشعل بها فتيل حروب وأزمات، ولن تطفئ الحرائق الإرهابية ونار الاستفزازات التي تؤججها، إذ كيف لمن يستظل بمظلة التعديات و الإرهاب العسكري والسياسي والاقتصادي أن يتخلى عنها، وكيف لمن يستثمر في فوضى الحروب والفتن أن يرضيه أن يُسحب صاعق التفجير وتُخمد نار الأزمات .
قلنا سابقاَ منذ تولي جو بايدن قيادة دفة البلطجة الأميركية أن الذي يراهن على تغيير في السياسة الأميركية وإن تبدل لبوس ثعالب البيت الأبيض، كمن يلاحق خيوط دخان، وإن من ينتظر من بايدن رتق ثقوب الأزمات و تبريد سخونة الملفات الدولية التي رُفعت درجة حرارة غليانها وفقاً لميول الهيمنة الاميركية، واهم وآفاقه محدودة.
فالرغبة بالسطوة والاستئثار بالنفوذ هي الدافع والمحرك لكل الشرور الأميركية على الخريطة الدولية، وبايدن بانتهاجه طرق وأساليب من سبقوه من حكام أميركا يلقي مجدداً بأوراق الدبلوماسية على قارعة التجبر والتسلط، وينسف أي أسس للحوار ويغلق بوابات التبصر واستيعاب التغيرات الدولية الحاصلة التي تدلل بوضوح إلى أن أميركا ليست قطباً آحادياً، وأن ثمة قطبين آخرين صعدا بقوة واتزان، وأثبتا مكانتهما وثقلهما عالمياً في السياسة والاقتصاد كروسيا والصين، إيقاعهما مختلف وتعاطيهما بأخلاق واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها يعزز مكانتهما دولياَ، ويمكنهما من انتزاع صواعق التفخيخ الأميركية وألغام التعديات الجائرة التي لغمت فيها الإدارات الأميركية المشهد العالمي.
في كل ما نتابعه من سلوكات وتصرفات استفزازية وتحشيدات عسكرية تقودها واشنطن، تصر إدارة بايدن على تفخيخ المشهد العالمي وتنسف كل طرق التلاقي مع الدول على ضفاف احترام سيادتها وعدم التدخل السافر في شؤونها، وتلقي في سلة مهملات البيت الأبيض كل ادعاءاتها السابقة، وتتنصل من طروحات ضرورة عودة أميركا إلى جادة الصواب السياسي والأخلاقي والقانوني الدولي، فما تعانيه الإدارات الأميركية المتعاقبة من تورم للغطرسة العدوانية يطغى على منطق العقل و إدراك المعطيات الدولية التي تغيرت بما لا يرضي غرور عنجهيتها، و يدفعها للانزلاق أكثر إلى منحدرات الفشل على كل المستويات، ويريق آخر ما تبقى من قطرات هيبة (دولة عظمى)يصر قادتها على إبقائها مارقة على القوانين ومنتهكة للحقوق.
وبالمقابل لا تتغير خطابات الغطرسة العسكرية والوقاحة السياسية لدول الغرب الاستعماري المنخرطة في لعبة الشرور الأميركية والغارقة في وحل افتعال وتفجير الأزمات، فالتدليس والافتراء يرافقان كل موقف وتصريح للناتو، والتضليل وكيل الاتهامات الباطلة من دون اثباتات للتجييش والتأليب ضد روسيا يتصدر مشهد العربدة الأوروبية ويشكل الخطوط العريضة للأيديولوجيا العدائية التي تعتنقها دول حلف الناتو الاستعمارية، وأكبر دليل على ذلك ما جاء على لسان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبيرغ من تهديدات فجة ضد موسكو بأنها (ستدفع ثمناً باهظاً وستعاني من) تبعات اقتصادية وسياسية وخيمة، لا لشيء فقط لأنها ترفض المساس بأمنها الاستراتيجي وتذود عن أمنها القومي وترفض التحركات العسكرية الاستفزازية على حدودها التي يمارس طقوسها العدوانية حلف الناتو في البحر الأسود لتطويقها.
روسيا رقم يصعب على واشنطن ودول حلف الناتو كسره أو تهميشه، ومنطق القوة والتهديد والوعيد فقد مفاعيله في ظل تنامي الرفض العالمي لسياسة البلطجة المتآكلة، وأنه على واشنطن والدول التي تسير في ركب عدوانيتها أن تعيد حساباتها الخاطئة وتبتعد عن أساليب فرد العضلات البهلواني ضد موسكو وبكين، وتعود لجادة الصواب القانوني
والأخلاقي، فتوتير الأجواء وتأجيج الأزمات له تبعات وانعكاسات ضارة لن تكون أميركا وبيادق الناتو بمعزل عن تداعياتها.
حدث وتعليق-لميس عودة