وأنا أستظل بظل الكلمات لا يسعني إلا أن أعود من جديد إلى دفاتر الشوق لأعثر من بين سطورها على كلمات تهدئ من قلق الروح، وتبعث على شيء من الطمأنينة وهي تنبع من بين حروفها.. فأقتطف عبارات أضعها في إطار من الزهور لأنها زهرة الكلام الجميل.. أقوال أنتقيها لتعبِّر عن كاتبتها، وهي لا تنفصل عن تجربتها الحياتية خلال فترة زمنية عاشتها، وعايشت فيها أطواراً وأحوالاً.. وعشر أوراق من كتاب (أوراق مسافرة) عن رحلتها إلى الأندلس في إسبانيا تسقط أمامي كما لو أنها تسقط من شجرة الزمن لتقول لي إنها ذكرى رحيل من كتبت هذه العبارات الأديبة (قمر كيلاني).
ويأخذني كتابها هذا من أدب الرحلات إلى أسفارها التي عايشتُها فأذهب معها إلى إسبانيا وتحديداً إلى الأندلس فأجدها تغوص في أعماق الزمن لتجدل ظفائر من ذهب وهي تعقد المقارنات بين جنات العريف وغوطة دمشق مدينتها التي عشقتها، والتي نثرت بذور حضارتها عرائش ياسمين، ومعماراً فائقاً، لأعود معها إلى مدينة (طليطلة) وكأنني أسمعها من جديد تقول: يا وردة طلعت من دمشق لتفوح على العالم عطر حضارة.. ثم تردد قول الشاعر (أحمد شوقي):
لولا دمشق لما كانت طليطلة ولا زهت ببني العباس بغدان
آمنت بالله واستثنيت جنته دمشق روح وجنات وريحان
وما ألبث أن أعود معها أيضاً إلى أروقة (جامعة مدريد المستقلة)، وفي قسم اللغة العربية لأجلس بين صفوف الحاضرين من المثقفين الإسبان، وممن يتقنون اللغة العربية من المستعربين، ومن الدارسين للأدب العربي المعاصر ممن يهيئون (أطروحات) لشهادات عليا وهم يترجمون من القصة السورية المعاصرة، ويعدّون الأبحاث حولها، أستمع إلى محاضرة لها عن ملامح الأدب السوري المعاصر شعراً، وقصة، ورواية، ومقالة، ومسرحية مع منظور عام عن الأدب السوري الحديث هذا الذي تطور، ونهض على أيدي مبدعيه من الأسماء التي لمع نجمها في سماء الأدب ليس محلياً فقط بل عربياً، وربما عالمياً أيضاً، هل أعددها أم أكتفي ببعضٍ من هذه الأسماء من أمثال: سعد الله ونوس، وحنا مينة، ونزار قباني، وألفة الأدلبي، وغيرهم كثر، وقد رحلوا عن عالمنا إلا أن آثارهم الأدبية مازالت بين أيدينا يحدثوننا من خلالها ونحن نقلّب صفحات من هذا الإبداع السوري الذي لا ينطفئ وهجه، والذي تتجدد ذكرى أصحابه في كل وقت ومع كل عباراة لهم تُقرأ.
وأعود إلى (قمر) وما اختزنته أوراقها لأجد فيها نبعاً صافياً من تدفق اللغة العربية المحملة بنبض الكلمة، فينتقل إليّ ما أحست به الكاتبة من الارتباط بالوطن، وبالجذور التي نبتت من هذه الأرض، أرض سورية التي اختصرت العالم في رقعتها، فتعود إليها وهي تحمِّل أوراق أسفارها أياماً من عمرها وُزعت في بقاع العالم، وأنساماً ندية تستروح الأماكن، والمدن التي زارتها.
وأطفئ الشمعة العاشرة من عمر الذكرى التي لا يغيّبها ضباب الأحداث التي تجتاحنا، وتجتاح العالم من حولنا، بينما أرسل الرحمات لكل مَنْ فقدنا من مبدعينا الذين بنوا جسوراً بيننا وبينهم فأثروا حياتنا الثقافية بالفكر، والمعرفة، وأزرع وردة دمشقية حمراء نارية لترتوي بماء الحياة.
(إضاءات) ـ لينـــــا كيــــــــلاني ـ