الثورة – رياض طبرة:
سألني الشاب المرافق لي في مهمة صحفية: هل تود زيارة وادي بني ظهر أم وادي بني حشيش؟
أجبته: أزور الواديين, واختر ما تشاء أولاً..
بعد تناول الإفطار في الفندق الأفخم في العاصمة صنعاء اتجهنا إلى وادي بني ظهر, أنا ومحمد والسائق الذي حرص أن يبرّد قربة الماء الصغيرة بوضعها تحت مرفقه الأيسر وهو يقود المرسيدس 200 البيضاء كحمامة, السريعة كصاروخ, الأثيرة كفراش عاشقين.
لم أكن أتوقع أبداً أن تفك هذه الرحلة إلى الغرب من العاصمة صنعاء لغزاً كبيراً في حياتي, بل أن تزيل عن نفسي كابوساً كان يؤرقني كلما التهبت اللوزتان عندي.
عندها ترتفع درجة حرارتي وأدخل في هذولة كانت تقطع أنفاس شقيقتي التي تكبرني بثلاث سنوات, فقد أخبرتها مرة وأنا في هذولة غير مسبوقة أنني سأموت بعد سبعة عشر يوماً, وصدّقت المسكينة أختي, وراحت تعد الأيام بخوف وقلب مقطوع وسيل من الصلوات والدعاء.
انقضت الأيام وجاء غيرها لكن الكابوس ظل كما هو, ظلّ جرفاً من قمة جبل إلى قعر واد, مقطع من الجحيم أو جلمود صخر نشر بسكين لا التواء فيه, كلما مرضت وارتفعت درجة حرارتي أرى نفسي فوق الصخرة ومن تحتي ينداح على نحو مرعب هذا الجرف الهاري…
السيارة تتابع تهاديها على الطريق نصف المعبد دونما عجلة من أمرها…
ماذا خطر ببال محمد لا أدري, أشار للسائق أن يقف إلى يمين الطريق, وأن يعبر أمتاراً من سطح بدا لي على مستوى الطريق العام الذي تركناه.
طلب مني أن أمتع ناظري بما سأرى..
يا إلهي ما هذا؟ قصر بديع يلوح من بعيد…
خطوات بضع خطوات حتى وقفت على حافة الأرض التي ما زالت مستوية… نظرت إلى الأسفل حيث لم يعد لقدميّ أن تتقدما, ذهلت..
أصابني دوار… زاغ بصري وأحسست بأنني سأسقط.
لاحظ محمد ذلك, وكذلك السائق الذي سارع إلى جلب القربة وسكب غير قليل من الماء على رأسي ووجهي…
جلست على صخرة كأنها كانت بانتظاري…
حمدت الله وشكرته على ما أرانيه في هذه البلاد التي تركها أجدادي ذات خراب في سدها.
تحاملت عن نفسي فأنا ما زلت شاباً وأمامي الكثير من المهام ومن غير اللائق أن أظهر ضعفي أمام أهلي.
في الطريق إلى الوادي أحسست بكثير من الراحة كأنما انزاح عن كتفيّ حمل من الملح, تحررت من كابوس مرعب.
وعند قاع الأرض التي نظرتها من أعلى الجبل صعد نظري من جديد إلى هناك إلى حيث كنت فتكاملت الصورة, الحلم الكابوس كان حقيقة المنظر ذاته, فمن أين جاء واحتل مخيلتي وسكنها؟؟؟
قطع محمد عليّ شرودي وتفكري بما جرى, وبهذا القصر العظيم الذي بناه إمام اليمن فوق اسطوانة من صخر ترتفع عن الأرض نحو خمسين متراً لتشكل قاعدة قطرها نحو خمسين متراً مماثلاً.
سألت محمد كيف تمكن البناة من نقل الحجارة إلى هذا الارتفاع, حار جواباً واكتفى بأن قال لي: هذه هي المرة الأولى التي يسألني أحد عن دار الحجر…