ثمة قول يحضرني دائماً، كلما عبرت رصيفاً من أرصفة دمشق، لا أدري من قائله، ولكن مفاده (ما نفع اتساع العالم، وحذائي ضيق) وعلى المقلب نفسه قول آخر: نهندس شوارعنا لتعود هي وتهندس حياتنا، وعلى ما يبدو أن مثل هذه الأقوال تجد آذانا صاغية واستجابة في محافظة دمشق، ولاسيما مع فصل الشتاء، وقبيل نهاية العام، إذ تعمد الجهة المعنية إلى المساهمة بمد الفرش الشتوي كما تفعل ربات المنازل.
لا يكاد عام منذ أن أتيت دمشق قبل ما يقارب ثلاثة عقود ونيف إلا وأرى أرصفة تحفر، وبلاطاً يمد، ولا نظن أن رصيفا في دمشق إلا وناله التبديل السنوي أو ربما كل سنتين مرة أو مرتين، أمس قرب الشعلا ن وباتجاه الحمرا، كانت أطناناً من الحجارة وبقايا الأرصفة مكومة، ظننت أن بناء يهدم لتشييد آخر أكثر حداثة، لكن المفاجاة أن أرصفة تقشط، وبلاط يزال ليجدد بآخر، وهذا الآخر بدوره سوف ينتهي يوماً ما إلى ما انتهى إليه سابقه.
بكل الأحوال، أن نعمل وتعمل المحافظة فهذا أمر مهم وجيد، أن يتم التحسين أيضاً أكثر من رائع، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه دائماً، وقد طرحه الكثيرون منذ عقود من الزمن حول القضية نفسها: هل تغيير البلاط أولوية ؟
لماذا لايكون مثل هذا النشاط بمرافق أخرى كثيرة، مرائب للسيارات وبسعر معقول، ليس كما تفعل الشركات المستأجرة أرصفة هي من حقنا، لماذا لا يكون الأمر تحسين حدائق ومقاعد وغيرها، لماذا لا يكون سبل ماء للعطاش؟
الكثير من المرافق تستحق أن يصرف عليها مثلاً: كنا اقترحنا ومرات كثيرة أن يسقف فرع بردى الذي يمر قرب المتحف الوطني، قرب أشجار الكينا اليابسة، ويحول إلى أكشاك جميلة تكون سوقاً للكتاب الشعبي، بدلاً من مما هو متوضع تحت الجسر، لكن لا أحد يريد أن يحرك ساكناً.
أمس شعرت بحسد لهذه الارصفة التي تبدل حجارتها، بلاطها سمها ما شئت، أكثر مما أبدل شخصيا اللباس السنوي، أو الحذاء الذي نحلم أن يكون، وربما يتبدل المشهد مرات ومرات قبل أن نبدل أو نستطيع شراء ما يقينا قر الشتاء ..مبارك لك أيتها الأرصفة، اتسعي، تجملي ما شئت، لايهمني الأمر فقد أتسع الخرق على الراقع، وضاق الحذاء أكثر مما يجب، ولن يكون العبور مريحاً وآمناً أو سالماً، فقد أخذنا نصيبنا من أرصفة الألم.
معاً على الطريق-ديب علي حسن