الثورة – تحقيق – جهاد اصطيف – حسن العجيلي:
باتت حياتي مليئة بالديون كي أؤمن حاجيات أسرتي، تسلط – كلمات ” محمد “وهو سائق سيارة أجرة بحلب – الضوء على جزء من المشهد الصعب للوضع المعيشي لدى الكثير من المواطنين، فقبل سنوات الحرب العدوانية التي شنت علينا، كان ” محمد ” الخمسيني يعيش بحالة أيسر بكثير من حالته الآن، إذ كان قادرا على تأمين حاجيات منزله اليومية دون الحاجة إلى أحد.
حالة ” محمد ” هذه ككثير من المواطنين الذين ارتبط مستوى اليسر المادي عندهم بالقدرة على التحكم والسيطرة بمصاريف احتياجاتهم الأساسية، بعد ارتفاع الأسعار الجنوني الذي أصبح مشهدا اعتياديا ومتكررا في حياتنا اليومية.
سيناريو رفع الأسعار ..
ومع معاودة تطبيق سيناريو رفع الأسعار، كما حصل مؤخرا بمادة البنزين ” المدعوم ” ورفع سعر الأدوية قبل أيام ، أصبحت التوقعات على ما يبدو تنبئ بمزيد من صعوبة الوضع المعيشي من الأساسيات التي ينظم كثير من الناس حياتهم وفقها.
ومن الواضح أن القرارات التي اتخذت خلال الأشهر القليلة الماضية ركزت على التعامل مع ” المواد المدعومة ” التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر ويومي، ولجأت إما إلى رفع أسعارها أو تخفيض مخصصات المواطنين منها، والمبرر لذلك بشكل أساس هو استمرار تمويل المواد المدعومة، و” انعكاس غليان الأسواق العالمية “، خاصة المواد الغذائية، وغلاء أجور النقل الدولي وغيرها الكثير.. الكثير..
جردة سريعة ..
وبعيدا عن الأسباب والمسببات نورد جردة حساب سريعة لما قامت به وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك من زيادات على أسعار المواد، ففي ١٢ تموز الماضي، ارتفعت أجور النقل العام، بنسب تتراوح بين ٢٨ و٣٢ % على التعرفة السابقة، بحسب نوع المركبة، وفي ١١ تموز الماضي، ارتفع سعر ليتر المازوت بنحو ١٧٨ %، ليصبح ٥٠٠ ليرة سورية بعد أن كان ١٨٠ ليرة، وسعر الخبز بنسبة ١٠٠%، ليصبح سعر الربطة ٢٠٠ ليرة.
كما رفعت وزارة التجارة الداخلية سعر ليتر البنزين من نوع ” أوكتان ٩٥” إلى ثلاثة آلاف ليرة سورية، بعد أن رفعت بدورها ” السورية للتجارة ” سعر الكيلو غرام الواحد من مادتي الأرز والسكر عبر ” البطاقة الالكترونية ” إلى ١٠٠٠ ليرة، بعد أن كان بين ٥٠٠ و ٦٠٠ ليرة، هذا فضلا عن رفع سعر الدواء بنسبة ٣٠% ، لتعود قبل مدة وتحدد وزارة التجارة الداخلية سعر ١٧٠٠ ليرة لكل ليتر مازوت و٢٥٠٠ ليرة لليتر البنزين على أن توزع كل مادة بكميات محددة حسب ما هو معلن ، لنتفاجأ قبل أيام برفع سعر البنزين ” المدعوم ” بنسبة ٥٠ % ليصبح ١١٠٠ ليرة بعد أن كان ٧٥٠ ليرة، وتبقى الخشية كما يقول المثل أن يبقى ” الحبل على الجرار”.
مشاهد من حياة المواطنين ..
أمام ذلك كله نعود لنتعرف أكثر على رأي المواطن في حلب مما يجري من حوله في هذا الشأن ومدى انعكاس غلاء الأسعار وزيادة التسعيرات على حياته المعيشية، إذ كانت البداية مع ” سامر ” الذي يضطر إلى العمل في مطعم ، نتيجة عدم قدرته على تحمل تكاليف معيشة أسرته التي لا يغطيها راتبه الشهري، الذي لا يتجاوز ٨٠ ألف ليرة سورية قبل الزيادة الأخيرة، من دون عمله الإضافي، الذي يتقاضى من خلاله مبلغ ١٥٠ ألف ليرة في الشهر، ومع كل ذلك فهو لا يستطيع تدبر نفقات معيشته وأسرته المكونة من خمسة أفراد حسب قوله.
باع أرضه ليعيش .. !
نهاد و محمد – أخوان متقاعدان.. باعا قطعة أرض كانا قد ادخراها، وبعضا من قطع الذهب التي تحتفظ بهما زوجتهما، لوقت الحاجة كما يقولان، ليشتريا سيارة أجرة ويعملان عليها ، إذ لم يعد بمقدور أي منهما أن ينفق على عائلته التي تتألف من ستة أو سبعة أفراد من راتبهما التقاعدي فقط.
أما ” سلمى ” ربة منزل – فقد استغنت هي الأخرى عن احتياجات منزلها الأساسية وعن المأكولات التي تتضمن اللحوم، بسبب غلاء أسعارها وقلة الدخل المادي الذي بالكاد يكفي الحاجات الأساسية.
وكذلك الأمر بالنسبة لزكريا – موظف – ويعمل حارسا ليليا في ” مول ” بدوام إضافي من أجل تأمين مستلزمات بيته، بسبب أن راتبه الذي لا يكفي حتى لأسبوع واحد مع ” شديد التقنين “، فيضطر للعمل على الرغم من طول فترة الدوام وقلة ساعات النوم، لتغطية متطلبات أبنائه في المدرسة أو الجامعة، حتى إن الغلاء ، كما يقول دفعه للبحث عن مصدر دخل ثالث ليغطي النفقات المتزايدة على أسرته يومياً.
طلابنا ضحية الغلاء..
“هنادي” طالبة جامعية قالت إنها تجمع أجور مواصلات نقلها من حيها إلى جامعتها، من فتات ما يتبقى لدى أمها من مصروف المنزل، فإن تأمن ذلك، فهو جل ما يهمها يوميا، ولكن حلمها اليومي كما تقول يبقى مرتبطا بالكثير من الأمور حولها، كعدم احتياج المنزل إلى مصاريف فجائية عاجلة كإصلاح أجهزة كهربائية أو الكترونية قد تتعطل، أو حاجة فرد من العائلة إلى زيارة طبيب أو مشفى ما خاصة في زمن ” الكورونا “، فضلا عن ارتفاع أسعار المشافي الخاصة غير لطبيعي الذي يتكبدها المواطنون المحتاجون لمثل هذه الرعاية الطبية.
*والمونة في خبر كان..
” سامية ” ربة منزل – لا تتيح الحالة المعيشية المجال ” للخمسينية ” التفكير بالغد، فتشتري مكونات طبختها كل يوم بيومه، إذ لا مجال لوضع المؤونة، أو زيادة كمية الطبخة لتكفي أكثر من يوم، في ظل شبه إنعدام للكهرباء بحلب، ورغم ذلك تعتبر أن حالتها المعيشية أفضل من حالة العديد من أقاربها، كونها تعيش بمفردها مع زوجها.
*المطلوب زيادة الرقابة..
ولأن جل ما ذكرناه له علاقة سواء مباشرة أو غير مباشرة مع التجارة الداخلية وحماية المستهلك ويقع عليها الدور الأكبر بمراقبة السوق في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني لمختلف المواد ، خاصة بعد الزيادة الأخيرة وبحسب التعليمات الوزارية التي طالبت بتطبيق أشد العقوبات على كل من يقوم برفع الأسعار ، فقد أكد مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحلب المهندس “أحمد سنكري طرابيشي” على أهمية ثقافة الشكوى لدى المواطن ، مشيرا إلى أن المديرية نظمت على سبيل المثال الشهر الماضي ” ٥٤٠ ” ضبطا بحق مخالفين شملت مختلف المخالفات.
ويرى “طرابيشي” أن دوريات المديرية لا تتوانى عن التحقق من أية مخالفة، خاصة تلك المتعلقة بالنشرات السعرية المركزية التي تشمل المواد الأساسية، مشيراً إلى أنه يتم تشديد الرقابة بشكل أكبر على الأسواق التجارية والمحال بالتعاون مع المحافظة ومجلس المدينة ولجان الأحياء، والدليل عدد الضبوط الكبيرة المنظمة الشهر الماضي بمخالفات متنوعة منها عدم إعلان عن الأسعار، وعدم إبراز فواتير، وبضائع مجهولة المصدر، أو الامتناع عن البيع، فضلاً عن الضبوط التي طالت أصحاب السرافيس والأمبيرات والأفران وسواها.