الثورة – بشرى سليمان:
كثيراً ما تعود بنا الذاكرة إلى أيام الطفولة الجميلة ،فنحن إلى تلك اللحظات اليوم ..كم كان يسعدني رؤية أمي و أبي في جلسة العصرية (استراحة مابعد الظهيرة ترافقها كأس الشاي أو المتة أو فنجان القهوة ) يتبادلان الأحاديث، وأخبار السياسة ،والأقارب ، والأبناء، وكل ما يخطر في البال من أحاديث جميلة ، فيما أنا وإخوتي حولهما ومعهما ، تارةً نشاركهما ضحكاتهما ، وتارةً نتدخل برأيٍ هنا أو نميمةٍ هناك.
ليست العصرية من جمعت أسرتي ، بل هي المحبة التي صنعها والدي لتكون عنوان أيامنا قدر المستطاع ، إنها النبع الصافي الذي روى قلوبنا لتستمر الحياة ،ونسقيها لأبنائنا ونشبعهم بالحب والحنان ، في وقتٍ ضاقت بنا وبهم سبل الحياة ورفاهيتها ، وقَلت معها جلساتنا العائلية الدافئة خصوصاً بعد أن استحوذت وسائل التواصل الاجتماعي على جوارحنا.
لابد من طريقةٍ لإعادة مد الجسور الإنسانية ،وإعطاء معنى لحياتنا من جديد، ولو بأبسط السبل ، فقد تكون البداية من البيت، مع صباحٍ فيروزي يدخل الدفء إلى قلوبنا الباردة ، وعناقٍ مشتاقٍ للأطفال قبل الذهاب للمدرسة ، أو تجاذب الأحاديث الدمثة مع زملاء العمل ، أو رسم البسمة على وجه الأحبة ، لا يهم أي طريقةٍ نختار، المهم أن نخرج جمالنا الداخلي ونعكسه على محيطنا القريب والبعيد، ولو بابتسامةٍ لطيفةٍ ،قد يكون لها مفعول السحر على زوجٍ عانى من يومٍ عصيبٍ ، أو طفل حزينٍ لم يحصل على مصروف جيبه ، فالمحبة عطاءٌ يتسع الكون ، بشر بها السيد المسيح وعلمنا أن نحب الله ونحب الخير، لأن الإنسان الذي يصل إلى محبة الله لا تقوى عليه الخطيئة، لذلك علينا أن نحب الكل ولانضيق بأحد، ونأخذ درساً حتى من الطبيعة ، نتعلم من النهر الذي يعطي ماءه للكل ، والوردة التي تعطي عبيرها لكل من يعبر بها حتى الذي يقطفها ويفركها بين يديه .
ليتنا نعيش معاً بالحب ، فنزرعه ، ونقطف ثمار المحبة التي لا تعترف بموسمٍ محدد، بل تقطف في جميع الفصول ، وحلاوتها تطغى على كل المرار الذي تسببه الكراهية ، والفرق بين الإنسان الذي يعمر قلبه فيها وبين الإنسان الذي لايعرفها ، كالفرق بين الحي والميت .