الثورة – أديب مخزوم:
افتتح في صالة الرواق العربي بالعفيف (قاعة لؤي كيالي) معرض تكريم الفنان الكبير الراحل صباح فخري، تحت عنوان: “شموع الصبا لصباح البيات” وجاء كثمرة تعاون بين جمعية شموع السلام واتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، والمعرض يؤكد قبل أي شيء آخر، حيوية العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الموسيقا والتشكيل ( خاصة وأنه يكرم واحدا من رموزنا الموسيقية والغنائية الراحل الكبير صباح فخري ) .. كما يساهم المعرض بظهور المزيد من الاحساس المتتابع بأهمية الحوار والعمل والعرض في إطار الجماعة.
ولقد تضمن هذا المعرض التكريمي ، الذي جاء بمبادرة وتنظيم الفنانة التشكيلية لينا رزق ، مجموعة لوحات مختلفة في قياساتها واساليبها وتقنياتها وموادها، لمجموعة من الفنانين والفنانات، والأعمال المعروضة قادرة على إثارة الاسئلة, لأن التشكيل البصري المطروح هنا، يدخلنا في جوهر الحالة الجمالية للون الواقعي والتعبيري والتجريدي ، المرتبط بإيقاعية التشكيل العفوي والتلقائي.
ففي المعرض مجموعة لوحات متنوعة لتكاوين معمارية ووجوه وغيرها ، تحمل تأثيرات الصياغات التشكيلية الحديثة، التي تستفيد من إمكانيات مواجهة الموضوع، وتحسس إيقاعات الرسم العفوي، المنفلت من تأثيرات الدراسة في المحترف الأكاديمي. بحيث تظهر التأثيرات الاكاديمية في بعض الأعمال المعروضة متداخلة مع التأثيرات التعبيرية والانطباعية والرمزية والتجريدية, من خلال الرسم بلمسات عفوية ومباشرة وسريعة أحيانا ، وهذه التقنيات تضفي كثافة لونية واضحة في بعض الأعمال , وتعمل بالتالي على تجاوز الانماط التصويرية التقليدية والاستهلاكية.
والتشكيليون المشاركون في معرض جمعية شموع السلام التكريمي، يستمدون تقنياتهم وأفكارهم وهواجسهم الثقافية من معطيات الفنون الأوروبية الحديثة ، شأنهم في ذلك شأن اساتذتهم ، الذين كانوا يحاولون في مراحلهم الانطباعية ، رصد اللون البيئوي المشبع بالدفء، ثم اخذت لوحاتهم فيما بعد تتخذ طابعاً احتفالياً ،منتشياً بفرح الطبيعة، ووهج الشمس وغنائية الحياة الريفية، وصولا الى اقصى حالات التشكيل التعبيري والتجريدي .
وعلى هذا الأساس نلتمس المنطلق لتفاعل الطروحات الفنية التراثية والتاريخية، مع التأثيرات الغربية، في حوارها المفتوح بحرية على حركة اللون والضوء، القادم من مؤثرات وحالات الشعور بالنور وبالوهج اللوني المحلي، الذي يعصف، وبشكل ملتهب في ضربات اللون المختلفة في العديد من اللوحات المعروضة.
هكذا يطرح المعرض هواجس التمرد على الفنون التقليدية والكلاسيكية ويؤكد مسألة انفتاح التجارب المشاركة، على الحرية في التكوين والتلوين معا، من منطلق التفاعل مع الحرية التعبيرية الحاملة في طياتها المؤشرات الايجابية, التي تنمي الحساسية البصرية والروحية، وتعمل على تحسس جماليات اللمسة العفوية واللغة الفنية الحديثة, الحاملة في بعض مؤشراتها التعبيرية، نفحات من البحث عن صياغة تبسيطية قادرة, على شحن عناصر اللوحة بعاطفة نامية، وبشغف تلقائي نابض بالحركة والحيوية والغناء اللوني.
ومعرض تكريم المطرب الكبير صباح فخري لم ينعطف، نحو ايقاعات الحداثة التشكيلية الدادائية والعبثية، التي نجد تجلياتها بشكل واضح في بعض المعارض التي تقام عندنا، حيث تحمل معظم الأعمال المعروضة هنا، ايحاءات التفاعل الحيوي مع معطيات الذاكرة البصرية، واشارات التراث الفولكلوري والشعبي والمعماري والزخرفي والحروفي واشعاعات اللون المحلي.
إنه نور الشمس وضوء المكان المميز لبيئتنا ولمحيطنا الجغرافي، بكل ما فيه من إشارات لونية مرتبطة بحقائق الحياة وبتأملات الوجود، ولهذا فهو يظهر في لوحات فنانينا باحتمالاتها التعبيرية ، كمقاطع من ذكريات منسية أو مستعادة، كما لو أنها تحمل كل تداعيات الماضي المترسخ في القلب والوجدان منذ أيام الطفولة والفتوة.
فالعودة إلى بريق اللون المحلي، هي محاولة لإعادة اللوحة إلى منطلقاتها الأولى ليس فقط كتشكيل انطباعي، وإنما أيضاً كفن تعبيري، متوافق مع جمالية التبسيط الغنائي والهندسي، والقائم في جوهره على طريقة اختزال عناصر الواقع، ضمن منطلق موسيقي وغنائي وشاعري، مع انحياز واضح نحو الحركة والوهج ، لزيادة الإحساس باللون والنور، على أساس أن هواجس التركيز على مظاهر الحركة، تدرج ضمن إيقاعات البحث عن جمالية حديثة، تلغي القشور وتبقي فقط على إيقاعات الحركة المتواصلة لألوان الأشياء القادمة من نورانية المشهد في المنظر المحلي.
ومن المقرر أن ينتقل المعرض إلى مدينة حلب مسقط رأس الراحل الكبير صباح فخري، والتي أنجبت العديد من الأساتذة الكبار في الموسيقا والغناء والبحث الموسوعي، وكانت تستقطب كبار المطربين العرب، وفي مقدمتهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ، في بداياته، ولهذا لقبت بمدينة السميعة.