لا تتبدل طبيعة العناصر الأساسية المكونة لأي مادة أو تركيب، كذلك الأمر بالنسبة لحاملي عوامل البغي والعدوان ومعتنقي شريعة القتل والتدمير والاغتيالات، ممن يحرفون المعاني والمفاهيم ويقلبون الحقائق ويبدلون الوقائع ويحاولون تغيير اتجاهات التطور الطبيعي بهدف خلق ظروف وشروط جديدة تمكنهم من المضي في غيهم وعدوانهم، أولئك هم أشرار كلّ عصر وكلّ زمان تتبدل صورهم ، وتختلف مسمياتهم ، وتزداد رغبة الغدر لديهم وترتفع نسبة التوحش في كلّ طور ومرحلة يصلونها.
وما يحدث في الطبيعة، يحدث في السياسة الغربية، والأميركية منها بخاصة، فأصل وجودها قائم على الرغبة في السيطرة على مقدرات الشعوب وقهر إرادتها ونهب خيراتها والتحكم بمصيرها، ولم تغير مبادئ ويلسون الأربعة عشر من تلك الطبيعة، فبقي العدوان متأصلاً، فيما ارتفعت شعارات الحرية والعدل والمساواة مجرد كتابات أو مقدمات خطب في منابر الأمم المتحدة وغيرها.
وما حدث ويحدث الآن في محافظة الحسكة ومنطقة الجزيرة السورية يثبت ويقدم البرهان الأكيد عن طبيعة السلوك السياسي العدواني للولايات المتحدة الأميركية والأدوات التي تستخدمها ، والمدرسة الثانوية الصناعية بالحسكة التي حولها الإرهاب الداعشي والقسدي على التوالي إلى معتقل تقدم صورة متكاملة عن الحقيقية التي ترقى إلى مرتبة اليقين، فعناصر داعش صنيعة أميركية باعترافات مسؤوليهم الكثيرين، وليس اعتراف وزيرة خارجيتهم وحدها، ويتم توظيفهم في كلّ فترة في المكان الذي يخدم مصالحهم الآنية، فكيف يمكن فهم إعلان الولايات المتحدة الأميركية على لسان الرئيس دونالد ترامب بقضائها على داعش واحتفالها بالانتصار زاعمة أن التنظيم الإرهابي لم يبق له وجود أبداً بعد القضاء عليه في الموصل، لنرى بعدها الحوامات الأميركية ذاتها تقوم بنقل عناصر داعش من الباغوز وغيرها من المناطق التي كانوا يحاصرون فيها إلى القواعد الأميركية الآمنة أو إلى بعض السجون والمعتقلات سواء في الجزيرة السورية أو داخل العراق، لتقوم بإطلاقهم عبر مسرحية تمرد وهروب وملاحقة بما نراه اليوم، وما رأيناه في أبو غريب وغيره، ويتم هذا الموضوع بالتنسيق الكامل مع حارس السجن القسدي الذي ارتضى الارتهان للعدو الأميركي والارتباط به تبعية وخيانة وذلاً .
الحوادث المتعددة المتلاحقة تقدم الدلائل الكثيرة على طبيعة العدو والعميل والإرهابي وتعرض صورتهم التي لا تتغير أبداً، وتؤكد أن الحديث عن حصول تغيير في سلوك العدوان والإرهاب إنما هو مجرد وهم وعمل محكوم عليه بالفشل، شأن المثل العربي المعروف والمتعلق بتعديل ذنب الكلب، ووضعه في قالب مستقيم لأربعين عاماً، فظهر داخل القالب مستقيماً تحت الضغط، لكن عند إخراجه عاد سيرته الأولى.
معا على الطريق – مصطفى المقداد