الثورة – أديب مخزوم:
تبدو الفنانة التشكيلية مزنة حماد متنقلة بين الثقافة البصرية المباشرة والمقروءة في الرسم الواقعي الدقيق، وبين الاتجاهات التعبيرية الأكثر حرية في معالجة خطوط الأشكال وتقنيات اللون . فهي في بعض لوحاتها تجسد بواسطة التفاصيل الصغيرة إيقاعات الوجوه ورموز العمارة القديمة والخيول وتنويعات الزهور والورود والطيور والعناصر الأخرى، حيث يبقى الشكل داخل بعض لوحاتها خاضعاً لتلك العلاقة الرصينة والمنضبطة ، وهذا لا يمنعها من استخدام رموز الأشكال والعلاقات التعبيرية المختلفة، التي تحول العناصر والرموز ، في لوحات أخرى، إلى مجرد علاقات لونية عفوية مفتوحة في مظهرها ومعالجتها اللونية، على الاحتمالات أو الرؤى التشكيلية التلقائية والاختزالية ( متل لوحتها التي تجسد فيها قسماً من وجه امرأة بألوان عفوية وتلقائية ) .
وهي كثيراً ما تستخدم في لوحاتها المرسومة في المحترف، اللمسات اللونية الهادئة ( من لوحاتها المرسومة بالرصاص ، إلى لوحاتها الزيتية الأولى ) وهذا شيء طبيعي في خطوات دراستها عناصر التشريح والنسب، وما إلى ذلك من قواعد أكاديمية . كما تطمح إلى إضفاء سماكات لونية ( مثل خلفية لوحة الورود ) لتصل من خلالها إلى نفحة تشكيلية حديثة، تتجاوز الصياغة التصويرية الرتيبة والمستهلكة والمألوفة ، وتشكل منطلقاً لتأكيد ذاتها، وإيجاد خطها الأسلوبي .
ونلمس مؤشرات علاقتها الحميمية مع الأشكال المعمارية المستمدة من انطباعات الإقامة في دمشق، حيث تجسد جمالية العمارة القديمة ، وأحواض الورود الشامية، المترسخة في ذاكرة العين ومخزونها البصري، وما تتميز به جدرانها وأبوابها ونوافذها، من خصوصية في مظهرها الخارجي والداخلي معاً.
وتشير مزنة حماد إلى أنها تنتمي لأسرة، حيث ورثت حب الفن – على حد قولها – عن والدها الذي يهوى الرسم، ووالدتها التي تهوى التصميم الداخلي ، وجمع التحف الفنية النحتية ، كما أن جميع أعمامها وعماتها يزاولون إنتاح الأعمال الفنية من رسم ومجسمات وأشغال يدوية، وهذا دفعها خطوات في اتجاه إظهار نزعتها الفنية في مجالي الرسم والتلوين وتصميم الأزياء، ومن ثم البحث عن جماليات الصياغة الفنية العفوية، والانطلاق في رحاب الاختبار التشكيلي والتقني الأكثر عفوية وحرية واقتراباً من عالم الرسم الحديث والمعاصر ، كما حققت بعض أحلامها حين أظهرت اهتماماً متزايداً بالأزياء العصرية، على أساس أن الرسم الحديث، له علاقة وطيدة بخطوط الموضة، كما أن الأزياء تحقق مصدر إلهام فني للعديد من الفنانات والفنانين .
مزنة حماد درست الحقوق، ووجدت نفسها في الفن ورسم المانوكان وأزياء الموضة، ولقد أتبعت دورات للرسم في مركز أدهم إسماعيل ، ومركز الفنون بالصالحية، ومركز الجمعية السورية لتصميم الأزياء، وشاركت في بعض المعارض الجماعية، وكانت قد انتسبت لمركز أدونيا ، وتدرجت في رسم البورتريه والأشكال الصامتة وغيرها، تحت إشراف الفنان والكاتب والإعلامي والنقيب السابق الفنان أيمن الدقر، الذي له مساهماته ودوره الحيوي، في مجال إنماء الجوانب الإبداعية والابتكارية عند الأطفال واليافعين والشبان والشابات .
ويمكن التماس عوالم الأحلام والرؤى الخيالية في لوحتها ( الصلب ) لأنها أقرب إلى الاتجاه السوريالي، وهي تعبر عن واقع المرأة المرير، وسط هذا الفراغ الروحي، في ظل هيمنة القوانين والأعراف والمعتقدات المتوارثة والمتغلغلة في وجدان الناس منذ قرون, حيث أدت إلى ظهور المآسي الاجتماعية والخراب الروحي والتدهور الحضاري. واللوحة ترمز إلى الأجواء الانحطاطية المحيطة بواقع المرأة العربية، المقيدة بالعادات والمعتقدات والقوانين البالية ، والتي تعيق حقها، في بعض الأماكن بالتعليم والخروج والعمل, لاسيما وأن الرجل الشرقي اعتاد أن يتحدث عن حق المرأة في العمل, من رؤية ذكورية بحتة, وهو في ذلك يرفض أن تعمل المرأة في مجالات كثيرة, يراها عن جهل أنها من اختصاص الرجل, وتدخل هذه الإشكالية في الإطار الرومانسي حين يقول الرجل, إن انخراط المرأة في الأعمال المرتبطة تاريخياً بالرجال, يقلل من أنوثتها ويفقدها الكثير من صفاتها كامرأة . رغم أن المرأة العربية أثمرت المزيد من الإبداع في المجالات كافة .