الثورة – أديب مخزوم:
دخلت المطربة المعروفة سهام إبراهيم في مجال إنتاج اللوحة الفنية التشكيلية وعرضها ، بعد أن حققت أغنياتها شهرة، وصلت إلى الملايين منذ الثمانينيات، وبعد أن تعاون معها بعض كبار الملحنين وشعراء الأغنية في المرحلة الأخيرة من عصر الغناء الذهبي .
هكذا لونت بصوتها الخاص وبإحساسها الصادق ، ألحان وكلمات الكبار، في زمن الفن الجميل ، فهي فنانة تعبت على نفسها وكرست وقتها وأهم سنوات عمرها، في سماع التراث الفني الراقي، وأختارت ماطاب لها من أغان وألحان خاصة بها ، وأمتلكت القدرة على الإضافة بموهبتها ِ وبصوتها المنساب طلاقة وحيوية من طبقة إلى أخرى ، فهي قادرة بموهبتها على إخراج الألحان من إطارها ووضعها في اطار خاص بها ِ وحدها، وهذا منح أغانيها مسحة خاصة وجديدة، دخلت بها زمننا المعاصر ، ويكفي أنها تعود بين الحين والأخر، إلى الألحان التي قدمها لها بعض أشهر الملحنين العرب ( من أمثال بليغ حمدي، ومحمود الشريف ، وسيد مكاوي ، وخالد الأمير، وفاروق سلامة، وعبد العظيم محمد وحلمي بكر وغيرهم) . كما تعاون معها بعض كبار شعراء الأغنية من أمثال ( مأمون الشناوي وعبد العزيز سلام وعبد الرحمن الأبنودي وعبد الوهاب محمد وميشال طعمة وغيرهم )، وتتعاون الآن مع ملحنين وشعراء شباب، في خطواتها الفنية المتواصلة بعشق مزمن وبمثابرة نادرة وبحب مطلق، حيث تعيد تسجيل ألحان الكبار الخاصة بها، وتعيد طرحها من جديد، وسط الانحدار والانحطاط الموجود على الساحة الفنية ، ولا نستطيع تجاهل كبار الملحنين السوريين الذين تعاونت معهم ( من أمثال عبد الفتاح سكر ورياض البندك وسهيل عرفة وسعيد قطب ونزار مورلي وزهير عيساوي وشاكر بريخان وغيرهم ) وأيضاً بعض أشهر شعراء الأغنية في سورية ..
وعلى صعيد الفن التشكيلي أقامت في دمشق معرضين فرديين، وشاركت في العديد من المعارض الجماعية الرسمية والخاصة . محققة بذلك مقولة بول كلي: ” من يرسم يجب أن يمتزج بالموسيقا ” . وفي لوحاتها، أقتربت من عوالم الرسم الواقعي، رغم بروز العفوية والكثافة اللونية، إلى جانب النعومة في اللوحة الواحدة، وعملت لإظهار خصوصيات بحثها التشكيلي ، وهي تضفي على لوحاتها المزيد من الشاعرية البصرية والغنائية اللونية الناتجة أحياناً عن استخدام اللمسات العفوية ، وذلك لإخراج اللوحة من منزلقات الوقوع في الصياغة التسجيلية والتقليدية، التي تعمل دائماً على تجنبها .
وهي في ذلك تبتعد، في معالجة الوجوه النسائية والورود والفراشات وغيرها، عن تقليدية الأداء الواقعي الدقيق والتسجيلي، وتتجه نحو مظهر الاستفادة من معطيات الفنون الواقعية الحديثة، في تعاطيها مع اللمسة العفوية والمباشرة والمشحونة بالانفعال، كمدخل للكشف عن عوالم الغنائية اللونية والضوئية والشاعرية البصرية، فقد استطاعت خلال سنوات تجربتها، كشف أسرار التقنيات اللونية الحديثة، واظهار قدرتها في تحريك الموضوعات الواقعية، للوصول إلى اللوحة الفنية، في تجلياتها الجديدة، فالجانب التشكيلي الجمالي يمكن قراءته في حركة اللون العفوي المعبر عن الحركة الداخلية، حركة العواطف والانفعالات، التي من خلالها نستطيع اختراق المظهر السطحي للأشياء كي يتجلى لنا التركيب الفني الذاتي. وبعبارة أخرى الحركة اللونية التلقائية هي ضرورة داخلية –على حد قول نيقولا دي ستايل- تعطي أهمية قصوى للإحساس باللون كقوة خفية في بناء وتنظيم المساحة.
وهذا المظهر العفوي في التعاطي مع اللمسة اللونية ، تتخذه كمدخل لبناء لوحة محلية، مستمدة من ألوان الزهور والورود والوجوه النسائية، التي أنعشتها النسمات الصباحية ، وهي تعمل أحياناً على تقريب الزهرة، بحيث تشغل كامل مساحة اللوحة، وهذا ينطبق على بعض العناصر النباتية، كما أن الوجه يشغل أحيانا الجزء الأكبر من مساحة اللوحة، والتركيز على إبراز إغمضاضة العيون أحياناً يمنح الوجه بعداً روحياً وشاعرياً .
هكذا يمكن أن تشكل لوحات الفنانة الشاملة سهام إبراهيم، مدخلا لرؤية خصوصيات بحثها التشكيلي، وعناصرها النسائية المزينة بالزهور والورود، والتي تحقق السعادة لاحتوائها على فرح اللون، المنفتح على الأفق والشمس الساطعة في الأمكنة الحميمية الباقية بين القلب والذاكرة .
ولا شك بأن عناصر الزهور والوجوه في لوحاتها، تدعو للتفاؤل والفرح، وتبدو وكأنها محاولة للانفلات من قلق حياتنا الراهنة، وسوداوية واقعنا المأساوي، إنها محاولة للخروج من شرنقة الأحزان التي تعترينا في كل لحظة، وبذات الوقت محاولة لنشر الفرح في أعين المشاهدين، في أزمنة الهجرات والحروب والويلات المتعاقبة .
والورود والزهور بتنويعات ألوانها وأشكالها تغطي الجزء الأكبر من بعض لوحاتها ، وهي موضوعات مستعادة من الواقع والذاكرة، ولقد كانت، ولا تزال تدفعها، وتحرضها على مزاولة الرسم والعرض، حتى في الأزمنة المضطربة والمتوترة والمغمورة بالأحزان والتطلعات الشاحبة .
كل ذلك في خطوات الوصول إلى وترية اللون.
