الثورة – عبد الحليم سعود:
من معتقل في سجون الاحتلال الأميركي الرهيبة في العراق إلى إرهابي “خطير” في تنظيم داعش وصولاً إلى زعيم التنظيم والمسؤول الأول فيه برأس ثمنه عشرة ملايين دولار حتى لحظة مقتله، لم يكن المدعو عبد الله قرداش الملقب بأبي إبراهيم القرشي معروفاً إلا من قبل الاستخبارات الأميركية وبعض أقاربه وعائلته، حيث لا يملك الكثيرون سوى معلومات شحيحة عنه، ليتحول الرجل في صبيحة الثالث من شباط الجاري إلى الحدث الأبرز في الإعلام الأميركي والعالمي، وبما يستدعي خروج الرئيس الأميركي جو بايدن المأزوم والمنهارة شعبيته داخلياً باستعراض لافت ليحدثنا عن “العملية النوعية” التي أدت إلى تصفيته والتي تشبه إلى حد بعيد أفلام “الأكشن” التي تنتجها استوديوهات هوليود السينمائية المشهورة.
من الواضح أن بايدن – شأنه شأن كل الرؤساء الأميركيين السابقين – يستعد لانتخابات الكونغرس النصفية وهو بحاجة ماسة إلى حدث يتم تضخيمه كي يسجل في قائمة إنجازاته النادرة من أجل رفع شعبيته المنهارة، حيث التوقعات تشير إلى إمكانية أن يخسر حزبه الديمقراطي أمام منافسه الجمهوري ومن ثم تتهيأ الساحة لعودة ترامب مجدداً إلى الواجهة من بوابة انتخابات 2024 الرئاسية، ولكن هل أسعفه الحظ حين قدم روايته الملفقة بخصوص مقتل نساء وأطفال في العملية المذكورة حين تحدث عن عمليات انتحارية قام بها كل من قرداش وزوجته حفصة ليبرئ قواته المحتلة من جريمة قتل 13 شخصاً بحجة تصفية إرهابي خطير بنظر الولايات المتحدة..؟!.
في الواقع تشير مشاهد المنزل المستهدف والدمار الذي تعرض له ومنظر الدماء في المكان إلى أنه تعرض للقصف بالطائرات المغيرة وأن آخر ما كان يهم وحدة الكوماندوس الأميركية والمشرفين على عمليتها العسكرية في البيت الأبيض أو البنتاغون هي أرواح المدنيين أو سيادة البلد التي يتم الاعتداء عليها، فالرئيس المصر على استمرار احتلاله للأرض السورية ونهب ثرواتها النفطية ورفض الانسحاب، مستمر في أكاذيبه وأضاليله بخصوص الخطر الداعشي المستمر، حيث لم يمض سوى أيام قليلة على مسرحية سجن الصناعة بالحسكة والدمار الذي طال بعض أحياء المدينة نتيجة القصف الأميركي العشوائي على المدنيين بذريعة صد وإفشال هجوم داعش “المفبرك” على السجن المذكور لتحرير رهائنه ومعتقليه من قبضة مليشيا قسد الانفصالية.
شواهد الإجرام والتدمير والإبادة الأميركية على الأرض السورية كثيرة جدا ومن الصعب إحصاؤها، غير أن الثابت فيها هو ذاك التبرير الوقح لها في إطار محاربة الإرهاب والقضاء على داعش وأشباهها، وكأن شعوب المنطقة كانت تعرف القاعدة أو داعش أو جبهة النصرة ومشتقاتهما الإرهابية التي لم تكن موجودة أصلا لولا التدخل الأميركي في المنطقة وقيامه بصناعة الإرهاب في أفغانستان ودعمه المتواصل وغير المحدود للإرهاب الصهيوني.
يجادل بعض المحللين السياسيين والمراقبين بجدوى تصفية الإرهابي قرداش على مستقبل التنظيم من عدمها وهل سيؤثر ذلك على عمليات التنظيم وهجماته، غير أن المؤكد أن خليفة قرداش كما خليفة أبو مصعب الزرقاوي ومن قبله أسامة بن لادن يتم إعداده بعناية في دوائر السي آي إيه الأميركية لاستخدام سلوكه الإجرامي وتوظيف عملية تصفيته في لحظة مناسبة لخدمة الرئيس الأميركي الحالي أو القادم أو السياسة الأميركية عموماً، ولن يتغير شيئا في هيكلية التنظيم أو غيره من التنظيمات الإرهابية لأنها مجرد حجة وذريعة أميركية للاستمرار في نفس النهج التدخلي والاحتلالي في المنطقة، فحين يختفي داعش سيظهر بديلاً آخر عنه لتستمر اللعبة وتستمر الأفلام والمسرحيات الأميركية الهوليودية المواكبة لما يسمى “لإسلاموفوبيا” ومحاربة الإرهاب.