الثورة – تحقيق – فادية مجد:
من مختلف مناطق وقرى محافظة طرطوس جاؤوا للتقدم للمسابقة المركزية التي أعلنت عنها وزارة التنمية الإدارية أوائل الشهر الماضي، شباب وشابات في العشرينات من العمر، ومنهم من تجاوز سن الأربعين، وآخرون قَدِموا للتسجيل وهم ما زالوا يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية، تجمعهم أحلام سقفها الأعلى وظيفة، تكون عكازتهم في الحياة وظروفها الصعبة، وحتى لا يضيع تعبهم بشهادة نالوها، وتعلق على الجدران، وإيماناً بعمل حكومي، هو الأمان لهم من عمل خاص وشروطه وإملاءاته.
ومن أجل هذا كله ومنذ الثلاثين من كانون الثاني حشود تجمعت وانتظرت أمام خيمة استقبال المتقدمين للتسجيل، الكائنة بالقرب من مبنى محافظة طرطوس، وكلها أمل بالظفر بورقة دور، لإتمام عملية التقديم، وتسليم الأوراق الثبوتية، رغم الآمال الضئيلة، ولا سيما مع عدد الشواغر المحدود، وعدم شمول المسابقة المركزية لكافة الاختصاصات.
*السؤال الذي يطرح..
مسابقة مركزية ومنذ أشهر عديدة تمّ الحديث عنها.. أليس من المفروض أن يكون قد جهزت لها البنى التحتية، وكافة الاستعدادات اللازمة، وافتتاح مراكز عديدة في مناطق المحافظة لاستقبال المتقدمين للتسجيل، بدل هذا التزاحم، وتعب الأعصاب، ورحلة الذهاب والإياب لمدينة طرطوس لعدة مرات، من أجل التسجيل على الأوراق المطلوبة، من لا حكم عليه، وغير موظف، وطوابع وتصوير هويات شخصية، فوثيقة غير موظف أصبح يتطلب الحصول عليها خلال هذه الأيام خمسة وعشرين يوماً، وأسابيع للحصول على ورقة غير محكوم، لتأتي بعد ذلك كله مرحلة التسجيل والانتظار !!
*تكاليف مادية..
وهنا يحق لنا القول: ألم يكن من الأجدى بدل هذا العذاب لجمع الأوراق الثبوتية، وما يترتب عليها من تكاليف مادية وانتظار، تأجيلها لحين نجاح من تقدم، ليستكمل عندها أوراقه كاملة؟ أليس في هذه الطلبات والازدحام الذي رافق الحصول عليها باب فُتح للرشوة من أجل سرعة الحصول عليها خلال يوم واحد ودفع مبالغ مالية لتدبير ذلك !!!
*قلة عدد المراكز..
ومن جهة أخرى قد يقال عن الازدحام الحاصل بأن الحق على المتقدمين الذين كانوا سببه خلال الأسبوع الأول من التقديم، وهنا نقول ربما هو مسبب، ولكن كل من سمع بالمسابقة المركزية أكد أنه سوف يكون هناك أعداد كبيرة وازدحام، وحتماً هذه لا تخفى على كل من له علاقة بتنظيم وإعلان المسابقة، فلماذا لم يتم زيادة عدد مراكز التسجيل ولتكن في مراكز خدمة المواطن في مناطق المحافظة، ولماذا لم يتم تخصيص أيام لكل فئة من الفئات، بدل تجميعها كلها بالقرب من مبنى المحافظة، ثم السؤال الذي يطرح أيضاً.. مسابقة مركزية وعنوان عريض..
ولكن هل تم لحظ كافة الفروع الجامعية والمعاهد؟ بالطبع لا .!!!
ثم هل الأعداد التي طلبت لكافة الفئات منطقية وتستوعب أعداداً كبيرة من المتقدمين !! الجواب للأسف بأن الأعداد المطلوبة محدودة وجاءت مخيبة لكل الآمال التي عقدت عليها!!
( الثورة ) كانت في مركز بريد طرطوس حيث الازدحام مازال قائماً حتى تاريخه، وإن خفّ قليلاً عن الأيام الأولى من بدء التسجيل للمسابقة، والمستمر التقديم لها حتى الثالث من شهر آذار المقبل.
تأخر صدور الأوراق..
تقول “عبير” خريجة معهد هندسي : تقدمت بطلب للحصول على ورقة غير موظف منذ ١٢ / ١ / ٢٠٢٢، وقالوا لي بالمراجعة بعد أسبوع، ولدى مراجعتي لهم، طلبوا مني الحضور اليوم، والآن بعد خمس وعشرين يوماً حصلت على ورقة غير موظف والتي كلفتني تصوير هوية وثمن الحصول عليها ٨٠٠ ليرة، عدا عن مصاريف الذهاب لقريتي في عنازة بانياس ٣٥٠٠ ليرة ذهاباً وإياباً واناً التي راجعت البريد أكثر من ثلاث مرات، رغم أن الفرصة ضئيلة قياساً بالشواغر والرغبات المحدودة.
“محمد أسعد” و “وسيم سعود”: سجلنا لورقة غير موظف وغير محكوم منذ عشرة أيام، واخبرونا لدى مراجعتنا اليوم أن علينا العودة بعد خمسة عشر يوماً بسبب كثرة الطلبات وضغط العمل، وتقنين الكهرباء في مركز البريد، وقلة أعداد الموظفين الذين يبذلون كامل طاقاتهم في العمل وهما سيجربان حظهما ويقدمان على شهادة التاسع، والتي نصيبها ٣ رغبات فقط وأعداد قليلة.
*تقنين الكهرباء وضعف الشبكة..
ولدى سؤالنا مدير بريد طرطوس “سامي علي” حول مشكلة هذا الازدحام والمدة الطويلة للحصول على وثيقة موظف، أفاد قائلاً: فترة التقنين طويلة والكهرباء تأتي ساعة خلال الدوام وضعف الشبكة كما أن استخدام المولدة يحتاج كل ساعة إلى ١١ ليتر مازوت، ولا يتم تزويدنا إلا بـ600 ليتر بالشهر، والتي تكفينا فقط لعشرة أيام دوام، ولفت إلى أنه بلغ عدد الذين طلبوا وثيقة غير موظف ٣٦ ألفاً في بريد طرطوس وفروعه في المناطق حتى يوم الخميس الماضي، فيما وصل عدد الذين أخذوا وثيقة غير موظف حتى تاريخه عشرين ألف مواطن، مؤكداً أنه بسبب الضغط الكبير والازدحام الحاصل نتأخر في إعطاء الوثيقة،
فهناك مسرحون يريدون أخذ تلك الوثيقة أيضاً.
*العمل بأقصى الطاقات..
وطمأن مدير بريد طرطوس كافة المتقدمين للمسابقة المركزية أن أوراقهم المطلوبة ستكون جاهزة قبل انتهاء التقديم للمسابقة، والعاملون في مديرية البريد بطرطوس وفروعه في المناطق يعملون بأقصى طاقاتهم لإنجاز ذلك، لافتاً إلى أن الازدحام قد خف كثيراً، والأمور ستكون إيجابية، وقصر في مدة استلام الأوراق المطلوبة.
*تجمعات للتسجيل..
وفي خيمة استقبال المسجلين للمسابقة الموجودة بالقرب من مبنى الخدمات الفنية والمحافظة حشود توافدت منذ ساعات الصباح الباكر
بعض من تحدثنا معهم أكدوا أنهم منذ السابعة صباحاً سجلوا أسماءهم وفئاتهم وبانتظار مناداتهم ليذهبوا ويقدموا أوراقهم في الأمانة العامة للمحافظة.
البعض تيسرت أموره وسجل في فئته والتي انحصر عدد رغبات أغلب الفئات برغبتين أو ثلاث مع قلة الأعداد المطلوبة..
ومنهم من قال إنه جاء منذ أسبوع وأعطي ورقة دور لهذا اليوم، فيما اشتكى البعض من تكبدهم ثمن أوراق، وطوابع ومصنف من قبل المحال التي استغلت أمر المسابقة عدا أجور المواصلات.
*اختصاصات لم تُلحظ..
“نزهة” و”رانيا” جامعيتان اختصاص إرشاد نفسي قالتا: لم تطلب المسابقة اختصاصنا، وربما نقدم على شهادة البكالوريا لحاجتنا للعمل، رغم علمنا أننا نكذب على أنفسنا لقلة الشواغر وكثرة المتقدمين، خريجو إعلام وفنون جميلة لفتوا الى أن المسابقة لم تطلب اختصاصهم.
*تثبيت طال انتظاره..
فيما تساءل عدد كبير من المتعاقدين القائمين على رأس عملهم ألم يكن منصفاً أن يتم تثبيتنا نحن من أمضينا أكثر من خمس عشرة سنة في عملنا، بدل دعوتنا من باب رفع العتب للاشتراك بتلك المسابقة التي لم تطلب اختصاصاتنا ومعها تبخرت أمانينا بحقنا المشروع بتثبيت طال انتظاره!
*قلة الرغبات..
“نهلة ديب” قالت: جئت لأقدم على شهادة التاسع والتي لم يطلبوا لها سوى عدّاد وموزع بريد، وقد سجلت عليهما مستغربة هل الموزع هو من عمل الإناث ؟؟.. والعدد المطلوب هو خمسة، كذلك الشباب سجلوا موزع بريد لنفس الفئة أليس في هذا كل السخرية.
*فئة الشهادة الثانوية..
أغلب الذين التقينا بهم أجمعوا أن الازدحام خفّ قليلاً عن الأسبوع الأول، بعد توزيع المتقدمين على أساس البكالوريا إلى مركز خدمة المواطن بالحمرات، والفئة الرابعة إلى قاعة المعلوماتية في مجلس مدينة طرطوس، ولينتقل الازدحام مجدداً إلى مركز الحمرات، وذلك لأن أغلب المتقدمين للتسجيل من حملة الإجازة الجامعية لم تلحظ المسابقة أغلب اختصاصاتهم، ولهذا أعداد لا بأس بها ستقدم على شهادة الثانوية (البكالوريا)، إضافة لحاملي شهادة الثانوية.
*مرشدون وأدلاء للمساعدة..
وخلال جولتنا على مركز التسجيل الكائن في مبنى المحافظة (الأمانة العامة) جميع الموظفين والمرشدين الذين عينوا لاستقبال المتقدمين للتسجيل يقومون بعملهم بكل إخلاص وعلى اكمل وجه.
الحقوقي “يحيى سلوم” مدقق أوراق ثبوتية للفئة الأولى عن عملهم قال: يوجد تنظيم للدور في خيمة الاستقبال، ليدخل من بعد أخذ كل واحد منهم ورقة دور إلى مبنى المحافظة، حيث يكون باستقباله مرشد، مهمته تمكين المتقدم من الوقوف على مراكز العمل التي تتناسب مع المؤهل العلمي للمتقدم، ليقوم بتعبئة الاستمارة بالبيانات المطلوبة وفق نموذج الطلب المعد مسبقاً حسب كل فئة، ومن ثم يتم تدقيق رغباته والمعلومات ومطابقتها مع الشروط المعلن عنها في قرار إعلان المسابقة، لينتقل المتقدم إلى مرحلة إدخال البيانات الكترونياً، ومن ثم طباعة ورقة تتضمن المعلومات الشخصية والرغبات حرصاً على دقة العمل، وليعطى المتقدم للتسجيل رقم طلب تم تسجيله في سجل الديوان الخاص بالمسابقة.
*مخيبة للآمال !!
الأستاذة الجامعية “ريتا علي” قدمت رأيها وملاحظاتها قائلة: لم تكن المسابقة المركزية التي تمّ الإعلان عنها مؤخراً بأفضل من حال سابقاتها، إلا أنها زادت عنهم سوءاً في اسمها، اسمها الذي لا يتناسب مع مضمونها وطموحات الشباب والشابات ممن تعلموا وتخرجوا في أصعب الظروف وأحلكها، ومنهم من تخرج منذ زمن بعيد في انتظار الفرصة التي تليق به وظيفياً وتليق بأحقيته في التوظيف كمواطن.. قبل كل شيء، فجاءت مخيبة للآمال، خجولة في الشواغر والأعداد، بعيدة كل البعد عن الاحتياج الوظيفي الفعلي، والتخطيط الجدي لتجديد العقلية الإدارية، واستثمار طاقات الشباب ووضعها في المكان المناسب.
*لا تلبي طموح التخفيف من البطالة..
من جهته الدكتور في الاقتصاد والعلاقات الدولية “ذو الفقار عبود” عبّر عن رأيه بالمسابقة المركزية وملاحظاته عليها قائلاً: لطالما كان التخطيط المركزي متناقضاً مع التخطيط التأشيري الذي تلجأ إليه الحكومات لحل المشاكل التنموية من خلال إشراك الجهات المحلية في تحديد احتياجاتها الوظيفية والتنموية، فالقياس بمقياس واحد لا يستوي مع اختلاف الاحتياجات الوظيفية للجهات ذات الطابع الإداري أو الخدمي أو الاقتصادي، وعليه فإن الجهات العامة ليست ذات توجه واحد نظراً لتعدد
احتياجاتها الوظيفية، إضافة إلى أن هناك عشرات الآلاف من العاملين بعقود سنوية وغيرها وهؤلاء لهم أولوية في التثبيت بوظائفهم، مشيراً إلى أن وضع ضوابط عامة للتعيين هو إجراء صحيح، لكن هناك وظائف لها استثناءات وحيثيات، لا أحد يستطيع تحديدها سوى الجهة طالبة التوظيف، إضافة لما سبق الشواغر التي تم الإعلان عنها قليلة جداً، ولا تلبي طموح التخفيف من معدل البطالة الذي وصل خلال الحرب على سورية إلى ستين في المئة.
*حسب حاجات المؤسسات..
الأستاذ الدكتور في قسم المحاسبة في جامعة طرطوس “مدين الضابط” قدم رأيه قائلاً: من الطبيعي أن تضطلع وزارة التنمية الإدارية بشؤون الوظيفة العامة وتحديد الشواغر من خلال الانطلاق من الحاجات الحقيقية للمؤسسات والشركات والوحدات الادارية في القطاع العام، وقد أشرنا سابقاً إلى أن العملية يجب أن تنطلق من أنظمة وهياكل وملاكات عددية منتهية، بالإضافة إلى تسوية أوضاع العاملين كالمتعاقدين بعقود سنوية.
وأضاف: علينا أن نميز جيداً بين تحديد الشواغر وفقاً للمعايير والأسس التي أشرنا، وبين تنظيم المسابقة كإجراء، فالأولى يمكن أن تتولاها بشكل طبيعي الوزارة، أما ما يتعلق بتنظيم المسابقة كإجراء وآلية الاختيار والتعيين فيمكن أن تتم من خلال المحافظات بإشراف الوزارة، ومن خلال وضع معايير الاختيار والاختبارات وغيرها، بمعنى يتوقع أن تبدأ العملية كما يحصل اليوم مكانياً وفي المحافظات وأن تستمر الخطوات اللاحقة أيضاً ضمنها.
*الوثائق عند النجاح..
كما كان من الأجدى أن تتم العملية وفق استمارة توظيف يتم تعبئتها من قبل المتقدم، وبقية الوثائق يتم استكمالها عند اجتياز المتقدم لكافة الاختبارات وعند التعيين، حتى نتجنب الازدحام، والتكاليف المادية مع ضرورة الاحتفاظ بأضابير المتقدمين حتى ولو لم ينجحوا في المسابقة لكي يتقدموا بشكل آلي لمسابقات جديدة يعلن عنها تجنباً لمضاعفة التكاليف والوقت والجهد.
*افتتاح مركزين إضافيين..
أمين عام محافظة طرطوس “حيدر مرهج” أكد أن عدد فرص العمل لمحافظة طرطوس ولكافة الفئات هو ( ٢٦٠٢ ) فرصة عمل، فيما وصل عدد المتقدمين حتى نهاية الدوام الرسمي ليوم الاثنين ٣٣٤٩ متقدماً من جميع الفئات.
وأشار إلى أنه تخفيفاً للازدحام الحاصل أعلنت محافظة طرطوس نهاية الأسبوع الأول من التقديم للمسابقة أنه تم تخصيص مركز خدمة المواطن
بالحمرات لاستقبال الراغبين بالتقدم للفئة الثانية /ثانوية/فقط، وتخصيص قاعة المعلوماتية في مجلس مدينة طرطوس لاستقبال الراغبين بالتقدم للفئة /الرابعة/ وذلك بدءاً من صباح يوم الأحد السادس من شباط، لافتاً إلى بقاء مراكز التقدم لباقي الفئات و من ضمنها المعاهد في مقرها في موقع الأمانة العامة لمحافظة طرطوس والخدمات الفنية.
ودعا “مرهج” كافة الذين سيسجلون على المسابقة بعدم الاستعجال وافتعال الازدحام، فالمسابقة مستمرة حتى الثالث من آذار القادم.