الثورة – لجين الخطيب:
بوتين يعيد رسم المشهد العالمي.. لعلها النقطة الأبرز التي اتفق عليها مراقبو المشهد الروسي- الأوكراني منذ اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين عن أوكرانيا، والذي جاء ردّا على طلب الأخيرة الانضمام إلى حلف الناتو وعدم التزامها باتفاقيّ مينسك، ثم إطلاقه عملية عسكرية لحماية المدنيين هناك من نيران القوات الأوكرانية بطلب من الجمهوريتين.
هي خطوة اعتبرتها أمريكا وأتباعها في أوروبا والشرق الأوسط “انتهاكاً فاضحاً” للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ووجّه أمين المنظمة الدولية العام أنطونيو غوتيريش نداءً إلى بوتين لوقف العملية العسكرية “باسم الإنسانية”، وعلى ما يبدو فإن “الإنسانية” التي ينادي بها غوتيريش تخضع لمعايير تتناغم والهوى الأمريكي الأوروبي، فأين “الإنسانية” المزعومة من صرخات الأطفال والنساء في فلسطين واليمن وسورية والعراق وأفغانستان وليبيا؟!.
كان من اللافت أيضاً وصف الكيان الإسرائيلي للعملية العسكرية الروسية بأنها انتهاك للقانون الدولي، وهو بطبيعة الحال المضحك المبكي، وكأنه بريء من انتهاك السيادة والقانون والإنسانية في سورية فلسطين والمنطقة.
بعيداً عن التصريحات والإدانات المزعومة الفارغة، فإن بوتين يضع النقاط على حروف مرحلة جديدة عنوانها “وداعاً للأحادية القطبية”، لأن كفّة ميزان القوى لن ترجحَ بعد اليوم لأميركا وحدها التي تظن أنها ستبقى متربعة على عرش العالم متفرّدة بقراراته وإدارته، ففي الكفّة الأخرى روسيا والصين وغيرهما من الحلفاء الذين سيوازنون كفّتي الميزان، بحيث لا هيمنة أمريكية أحادية فقط على العالم، وهو ما أشار إليه السيد الرئيس بشار الأسد خلال اتصال هاتفي مع نظيره الروسي مؤكداً أن ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، معتبراً أن روسيا اليوم لا تدافع عن نفسها فقط وإنما عن العالم وعن مبادئ العدل والإنسانية.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه البعض أن الغرب حاول جرّ روسيا إلى حرب مع أوكرانيا، فإن الأخيرة تبدو غير مستعدة لخوض مثل هذه الحرب محسومة النتائج، خاصة بعد أن تُركت وحيدة في مواجهة روسيا على حد تعبير الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي دعا إلى محادثات فورية مع موسكو بعد أن وجد نفسه وحيداً بلا دعم ملموس من أمريكا والغرب، وكأن الرئيس الأوكراني، الممثل الكوميدي سابقاً، لم يتوقع ذلك، أو أنه يجهل سياسة الغرب المخادع وعلى رأسه أمريكا، بالتعاطي مع مَن تدّعي أنهم حلفاء ثم تتخلى عنهم عندما توضع على المحك، والتاريخ شاهد سواء في أفغانستان وغيرها.
دعوة الرئيس الأوكراني للتفاوض مع روسيا، قابلها المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف باستعداد بلاده لذلك، وهو ما أعرب عنه أيضا الرئيس بوتين مؤكداً لنظيره الصيني استعداده لمفاوضات رفيعة المستوى مع أوكرانيا، تلك المفاوضات إن جرت لن تكون الأولى من نوعها، إلا أنها ستكون نوعية وربما حاسمة كونها تأتي بعد رد فعل روسي حازم، فهل تستغل كييف تلك المفاوضات لصالحها وتلتزم باتفاقيّ مينسك وتتخلى عن أحلامها بالانضمام إلى حلف الناتو وهو ما لم ولن تقبله روسيا أيّا كان الثمن، كون ذلك يشكّل تهديداً لأمنها، أم إن كييف ستبقى متمسكة بموقفها وتستمر بالتصعيد الإعلامي؟ هي سيناريوهات متعددة والأيام المقبلة كفيلة بكشفها.
