الثورة – أديب مخزوم:
تطرح لوحات الفنانة التشكيلية نسرين الحسين، جماليات التفاعل مع إيقاعات العناصر الإنسانية المبسطة ومكعبات الأبنية القديمة، وبعض أعمالها تستوحي، معطيات الطبيعة الخلوية والبحرية والقوارب والوجوه والأزهار وغيرها، وهي تتجاوز أحياناً الألوان الصريحة، وتقوم بصياغة تشكيلاتها الحديثة، بتدرجات الأسود والأبيض.
وفي لوحاتها العفوية المتنوعة، التي رسمتها في لحظات وحالات نفسية مختلفة، ملامح من مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم المعماري، وهي تجسد الحركة الحية والنابضة بعفوية ألوانها، وبحركة خطوطها التلقائية، في خطوات الوصول إلى التأثيرات البصرية المطلوبة، المتدرجة بين الشفافية والكثافة، وبين الوهج والتعتيم، وبين السكون والحركة.
وهي تبحث عن مناخات جديدة للبيوت القديمة، القادمة من معطيات الذاكرة، ومن رؤى الخيال بآن واحد، حيث تصوغها بقالب تشكيلي حديث يزاوج بين تكاوين المنطلقات التعبيرية في أبجديتها والبنى الهندسية (الظاهرة في تكاوين المكعبات والمربعات والمستطيلات والخطوط الشاقولية والأفقية والمائلة والدوائر التي تعالج بها الوجوه أحياناً).
والتشكيل المعماري والإنساني (وخاصة المرأة) في لوحاتها، ليس سوى مجرد تشكيلات لونية عفوية مختصرة ومبسطة ومنجزة بالمختصر المفيد، تقيم علاقة بين التشخيص ورؤى الخيال، وتبرز التكوين كهاجس منفلت نحو روحانية النور (الإضاءات الساطعة على خلفية معتمة أو خافتة وخاصة في معالجة الأشجار وجذوعها في لوحة لها بالأبيض والأسود) .
رموز تشكل مجموعة اجتهادات لذاتية تبحث عن معالم روحانية التشكيل، أكثر مما تبحث عن المعطى الواضح لعناصر الأشكال، مؤكدة رفضها الانجراف في موجة الأفكار الاستهلاكية، المرتكزة على توجهات السوق الفني التجاري.
والتشكيلات المعمارية تبرز في لوحات نسرين الحسين، عبر النور الساطع في النوافذ، ويكفي أن نقول إنها تميل إلى تأكيد الإيقاعات الرأسية الرصينة (الخطوط العمودية)، بينما نجدها في لوحات أخرى، تجهد لتكون أكثرعفوية وأوفر عاطفة. كما تبدو أحياناً منفلتة من حدود هاجس هيمنة الإيقاعات الشاقولية الهندسية.
هكذا تظهر تنويعات الأشكال المعمارية في لوحاتها كعناصر متجاورة ومتتابعة، تبحث عن تشكيلات هندسية بعيدة عن المنهج التزييني البصري، الذي يتقيد بالتفاصيل وصورية الشكل وواقعيته التسجيلية.
وهذا يعني أنها تبدو أكثر اتجاهاً نحو البحث عن إيقاعات وجدانية وعاطفية، تنحو إلى هندسة لونية بارزة، تعبر بتلقائية عن انفعالات غنائية، وتصل بالمشهد المعماري إلى انفلاتات خيالية، مفتوحة على جمالية عصرية في صياغة عمارة المدن القديمة.
وهذا الانتماء إلى ملامح المناخ المعماري الشرقي، يحتفظ بروح التراث المحلي، فالمهم بالنسبة إليها أنها تستعيد إشارات المشهد المعماري أو الإنساني أو الطبيعي، بالارتداد إلى الداخل لتخرجه من حيز صمته ولتجدده أو تستنطقه بالبوح الانفعالي المباشر، ولهذا تتدرج الحالة الانفعالية صعوداً وهبوطاً عبر تدرجات الحالة اللونية، من تلك التي تتجه نحو العفوية المتوترة من خلال اللمسات المتتابعة، إلى المساحات الهادئة التي يغلب عليها التسطيح، وتنسج علاقة مزدوجة بين العفوية اللونية والملامح الهندسية.
ولقد كانت ولا تزال تستفيد من قدرتها على التبسيط والتحوير في معالجة التشكيلات اللونية عبر الاهتمام بالتأليف المعماري، الذي يسمح ببروز حوارية التعبير العفوي بين الخطوط والألوان في اللوحة، وأيضاً تعمل على خلق حركة حوار بصري، داخل الصمت اللوني للوحة وإضاءة داخل المساحات الفاقدة لبريقها اللوني.
وغالباً ما توازن في لوحاتها بين التبسيط الشكلي وبين تسطيح بعض المساحات اللونية (على الأقل في إحدى لوحاتها التي تجمع بين التشخيص والتجريد) رغم اتجاهها إلى نوع من العفوية، في التعامل مع المساحة اللونية والحرية في تأليفها في أكثرية اللوحات الأخرى.
هكذا تحرف الشكل محولة المشهد إلى علاقات لونية وهندسية، لإبراز الحوار البصري بين المساحات والأشكال، مكثفة طبقات اللون والمواد المختلفة، وذلك لتأدية التعبير بتلقائية وعفوية وبالإضاءات اللونية والالتماعات التي تكون موزعة أحياناً على أرضية لونية خافتة.
نسرين الحسين 1976 عضو في نقابة الفنانين التشكيليين سورية، عضو في ملتقى القصة القصيرة جداً، حاصلة على شهادة: دبلوم في إدارة المنشآت والتسويق والمكاتب والمحاسبة2021 وبكالوريوس كلية الترجمة دمشق 2017 ومعهد الفنون التشكيلية 1996.. خبراتها المهنية: مصممة ومدربة إكسسوارت يدوية خبرات في bachwark الأعمال اليدوية وتدوير الأقمشة، شهادة تصميم أزياء وخياطة دولية 2014، ولقد شاركت في معارض تشكيلية داخل القطر وخارجه (حوالي 17 معرضاً للفنون التشكيلية واليدوية في السويداء ودمشق و جرمانا وغيرها، كما شاركت في معارض للأعمال والمنسوجات اليدوية.