الثورة – فؤاد مسعد:
يبدو أن توق المُحب لعوالم الفن السابع بكل ما تمتاز به من طقس سينمائي جاذب يبدأ من العشق ويستمر إلى ما بعد انتهاء عرض الفيلم ضمن الصالة المجهزة بأفضل التقنيات، يبقى ضمن إطار الحلم الذي يدغدغ المخيلة ليس أكثر، أو ربما رفاهية صعبة المنال رغم أن الفعل السينمائي بحد ذاته حاجة ثقافية وفكرية وجمالية وحضارية.
والمفارقة أن هذا الطقس بحد ذاته بات اليوم مهدداً في عقر داره وعلى مستوى العالم بأن يكون مآله إلى الزوال أو التلاشي التدريجي بسبب انتشار منصات الأنترنت وشركات الإنتاج المنزلية، والتي إن توافرت فتبقى مخصصة لطبقة تستطيع عيش أركان تفاصيل هذه العملية كاملة دون أن تأبه للتكلفة المادية ما يجعل هذا الطقس يندرج ضمن إطار (سينما المناسبات)، هذه العبارة التي قد تكون الأصدق في التعبير عن علاقة الجمهور السوري مع العروض السينمائية.
ونتلمس هذا الأمر في المناسبات السينمائية الرسمية أي عبر افتتاح عرض خاص لفيلم جديد حيث تبقى الدعوات محدودة أو من خلال مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة الذي يعرض أفلاماً قصيرة فقط، ويضاف إلى ذلك التظاهرات السينمائية التي تقام هنا وهناك وفي أوقات متباعدة، وهنا نسقط من حساباتنا مهرجان دمشق السينمائي وما كان يحقق من حالة فريدة لعشاق السينما في محاولته سد العطش الموجود لمشاهدة الأحدث والمنتقى والفريد، وكل التمني أن يعود إلى الحياة بعد تعليق دورته التاسعة عشر عام 2011.
أما افتتاح العروض التجارية للأفلام السورية فهي أيضاً ترزح تحت وطأة (سينما المناسبات)، فالمناسبة هنا وجود فيلم سوري جديد أو شبه جديد، أو أن إنتاجه يعود لعدة سنوات ولكن لايزال يُعتبر جديداً يتم فتح الباب أمام الجمهور لمشاهدته، ولكن كيف هي ظروف العرض؟ وهل الصالة مجهزة حقاً بما يخدم عرض الفيلم أصلاً على مستوى الصوت والصورة؟ لا بل ما آلية عرض الفيلم وهل هو موجود على قرص مضغوط (مثلاً)!؟.. كلها تساؤلات الإجابة عليها تطيح بالكثير من مفردات العرض السينمائي الحقيقي الذي نتمناه، وهنا لن نضع الحرب التي شنت على سورية شمّاعة لأن هذه الحالة ليست وليدة اليوم وإنما ما حدث في السنوات العشر الأخيرة كان له دور هام في تعميق الفجوة الموجودة بالأساس منذ أمد طويل.
كلنا نرنو إلى اليوم الذي تخرج به العروض السينمائية من إطار المناسبات، وتحقيق هذا الأمر لا يمكن حصره ضمن إطار المؤسسة العامة للسينما فقط وإنما هناك العديد من الجهات العامة والخاصة التي تتحمل المسؤولية بشكل أو بآخر، ولها دورها الفاعل والمؤثر الذي يمكن أن تطلع به، والسؤال: أيسعفنا الزمن لمشاهدة عروض سينمائية ضمن طقس عرض حقيقي ومناسب يلبي الشروط، أم سيتراجع دور الصالات أكثر فأكثر، ولا يبقى لنا في القادم من الأيام إلا منصات الأنترنت ضمن إطار جدران العرض المنزلي؟..