عبد الحليم سعود:
لم يكتف الغرب بتهيئة الأجواء والمناخات السياسية المناسبة للتصعيد الجاري في شرق أوكرانيا من خلال تشجيع نظام كييف على تحدي المصالح الأمنية الروسية، والاعتداء على مواطنيها في جمهوريتي لوغانيسك ودونتيسك، بحيث اضطرت روسيا بعد أن فقدت الأمل بجدوى العمل السياسي، لعملية عسكرية لحماية سكان الدونباس من إجرام القوميين الأوكرانيين المتطرفين، والسعي لحماية أمنها القومي من المخططات الأطلسية لتوسيع حلف الناتو العدواني على حدودها، بل سخّر الغرب ماكينته الإعلامية المضللة بشكل غير مسبوق لتشويه سمعة الدولة الروسية وإظهارها بمظهر الغازي المعتدي حتى قبل أن تبدأ العملية العسكرية، ومن يتابع حجم التضليل والتلفيق والكذب الغربي المرافق للعملية العسكرية سيصاب بالصدمة والاستغراب بالنظر إلى كمية الكراهية التي يكنها الغرب لروسيا ولقيادتها حيث تجلى ذلك على ارض الواقع بعقوبات قاسية جداً على الشعب الروسي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
ولم يقتصر هذا الدور القذر على الإعلام الغربي والأصوات والأقلام المأجورة العاملة فيه، بل انخرطت الأنظمة الغربية وسياسيوها بهذه الحرب الإعلامية، وتناوب كل من الرئيس الأميركي الخرف جو بايدن وتابعه البريطاني المأزوم بوريس جونسون إلى جانب الرئيس الفرنسي القزم مانويل ماكرون بهذه الحملة التضليلية لإقناع شعوبهم المغيبة عن الوعي بصحة قراراتهم السياسية والاقتصادية الحمقاء التي اتخذوها بحق روسيا والتي بدأت شعوب أوروبا وأميركا بتلمس تداعياتها ومخاطرها على مستقبلهم ومستقبل دولهم.
فمنذ تولي بايدن سدة الرئاسة الأميركية بداية العام الماضي وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ”القاتل”، في خروج غير مألوف على الأصول الدبلوماسية، وقد دأب على الحديث عن صراع عالمي بين الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية في محاولة لإقناع العالم بأن بلاده تعادي روسيا وتقترب من حدودها بنشر الصواريخ الاستراتيجية التابعة لحلف الناتو من أجل نشر ودعم الديمقراطية حول العالم، مصراً على تصوير ووصف الطبقة الروسية الحاكمة “بالاوليغارشية”، معتبرا أن السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع الروسي تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية ، ومازال بايدن يكرر اتهاماته لروسيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016 لصالح الفائز دونالد ترامب لإقناع الأميركيين بأن روسيا هي من تعتدي على العالم وتتدخل بشؤونه الداخلية وليس الولايات المتحدة الأميركية، في حين بلغ الأمر بالسيناتور المتطرف ليندسي غراهام للدعوة لاغتيال الرئيس بوتين معتبرا أن هذا هو الحل الوحيد لوقف الحرب في أوكرانيا.
أما رئيس وزراء بريطانيا المأزوم جونسون فكان أشبه بنسخة مكررة أو صدى عن بايدن بالدعوة لشيطنة روسيا وتشويه سمعة الرئيس بوتين، ومحاولة حشد ما يستطيع من زعماء العالم لمواجهة روسيا حيث لا تكف بلاده عن توجيه الاتهامات لروسيا بارتكاب جرائم حرب في الحرب الدائرة والدعوة لمحاكمة المسؤولين الروس بزعم أنهم يرتكبون مثل هذه الجرائم، وهو الذي أغدق مختلف أنواع السلاح الفتاك على النظام في أوكرانيا في محاولة منه لاستنزاف الجيش الروسي، وقام بتجنيد الآلاف من المرتزقة والإرهابيين والمجرمين من أجل زجهم بالصراع الدائر حالياً.
كذلك أدى المسؤولون الفرنسيون نفس الدور المناط بهم لتشويه سمعة الرئيس بوتين ووصفه بأوصاف غير لائقة حيث ادعى رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس أن الرئيس بوتين كذب على الشعب الروسي وعلى ماكرون والمجتمع الدولي واختار الحرب بدل السلام، في محاولة منه لتحميل روسيا مسؤولية الحرب الدائرة، متجاهلين دور أميركا والناتو في تخريب العلاقات بين موسكو وكييف، فمنذ عام 2014، يرى الروس أن توسّع الناتو والاتحاد الأوروبي صوب الحدود الروسية ليس مجرد تهديد جيوبوليتكي فحسب، وإنما تهديد وجودي وحضاري أيضاً، يهدّد الهوية الوطنية والقيم الروسية. واليوم، يؤمن الروس بأن الرئيس بوتين يقوم بعملية عسكرية دفاعا عن المواطنين الروس، سواء الموجودين في أوكرانيا أو في روسيا نفسها، لأن الغرب حينما ينتهي من “إبادة” الروس في أوكرانيا، سينقضّ على الروس الموجودين في روسيا، بحسب نظرتهم.
