الثورة – هفاف ميهوب:
من المعروف بأن أكثر ما تميّز به الأدب الروسي، تناوله للقضايا الإنسانية، وهو ما تناوله “غوغول” في أعمالٍ خصّ بها الفقراء والمسحوقين، ممن ارتدى معطفهم، فعانى مثلهم وزهد زهدهم، إلى أن غلبت على حياته مثلما أعماله، النزعة الواقعية.. النزعة التي دفعته وبعد معاناته الطويلة مع “أرواح ميتة” للشعور باليأس الذي دفعه للسخرية من الفساد والظلم والقهر والأنانية والشهوات التافهة، حتى في مسرحياته التي أعلن في أحدها: “يجب السخرية من كلّ السلبيات، بهدف تحقيق العدالة..”..
“دوستويفسكي” أيضاً، من أشهر وأهم الأدباء الذين تناولوا قضايا الإنسان وجراحاته، وهو بالرغم من تفاقم معاناته، وليس فقط بسبب ما رآه من حال “الفقراء” أو ما عاشه في المنفى السيبيري، حيث ذكريات “منزل الموتى” ومن شعرهم “مذلون مهانون”، بل وبسبب مرض الصرع الذي أصيب به مبكّراً.. بالرغم من كلّ هذا، لم يتوقف عن النبش في أعماق الإنسان، وتناول مآسيه وفجائعه وآلامه وانفعالاته وانحرافه وإجرامه، وسوى ذلك مما جعله يتألم مثله وأكثر، ويطلق حكمته:
“الأفكار تنشأ من الألم، والألم ينادي الأفكار فإذا كان الإنسان سعيداً، هذا يعني أنه لم يفكّر قط…”..
أما “تولستوي”.. فقد أبى ورغم زياراته العديدة إلى أوروبا، إلا أن يفتتح مدرسة في ضيعته، ويعمل جنباً إلى جنب مع الفقراء والفلاحين، ممن عاش حياتهم وقاسمهم بؤسهم، بل وقام بتوزيع ثروته التي ورثها من آبائه وأجداده عليهم، مؤمناً بأن “العقل هو الضمير، والهدف من كلّ عمل هو بلوغ الطمأنينة والسعادة الداخليّتين”.
كلّ هذا جعله، وإلى جانب كونه من أعمدة الأدب الروسي، مصلح اجتماعي وداعية ومفكّر أخلاقي، فقد كان يتنقل بين القرى زاهداً وبهيئةٍ رثّة، ليمهّد “طريق الحياة”ويدعو للحبّ والسلام..
أيضاً، هناك “تشيخوف”.. الكاتب الروائي والمسرحي الذي وجد بأن الجريمة الأشدّ دناءة في الحياة، هي قتل الأبرياء والمساكين، والذي فاقم مرض السلّ الذي أصيب به، شعوره بالألم والخيبة، وجعله يحاكي ذاته: “عليكَ أن تعلم علم اليقين، بأن المرء يخوض صراعاً بينه وبين نفسه كلّ يوم، مع ألف هَمٍّ، وألف حُزنٍ، ومائة ضعف، ليخرج أمامك بكلّ هذا الثبات”..