الأم كالعمر لا تتكرر مرتين ، أما عن أمي -رحمها الله – الغائبة عن العيد منذ أكثر من خمس سنوات، فهي التي جعلتني أعرف أن الأم وحدها من تحمل بيديها بحرص وتلامس برقّة وتداعب بحنان وهنا فقط يتجلى التفسير الدقيق لمعاني الحب والعطاء بلا حدود وبلا انتظار مقابل ، لقد وعيت عليها ذكية مفعمة بالحيوية والنشاط ، لم تتعلم حتى القراءة والكتابة لكنّها تملك من القدرات على إدارة شؤون البيت وتربية الأولاد والعلاقات الطيبة مع الجميع ما يفتقد له اليوم أصحاب الشهادات العليا.
كانت تحصل يومياً على قسط قليل من النوم لا يتجاوز الساعات الأربع فتستيقظ في الصباح الباكر لتقضي العشرين ساعة المتبقية من اليوم في أعمال البيت وإدارة شؤونه ، وفي المرحلة المبكرة من عمري لم أكن أرى أبي كثيراً ، فقد كان أيضاً يعمل لساعات طويلة إضافة إلى أن مكان عمله في حقول النفط برميلان كان يتطلب قطع مسافات ووقت للذهاب والإياب.
اليوم عندما تتأمل مثل هذه الوقائع تختلف النظرة إلى أمك وأبيك بعد أن يرزقك الله بالأبناء حيث تدرك حينها كم أنك كنت مقلقاً ومتعباً ومزعجاً لأبويك ، وتدرك وإن متأخراً قيمة حبّ ليس له حدود ، حبّ يدفع لأن تكون أفضل منهما .
واليوم أيضاً في عيد الأم محطة للتأمل والتحية والتقدير لأمهات فقدن أعز ما يملكن فلذة كبدهن ، نساء حاربن الجهل والفقر والعنف والظلم وسيدات تسلّحن بالإرادة الصلبة وواجهن وقائع هددتها صعاب الدنيا لكنّها لم تفلح في تدميرها ، أمهات ربين أولادهن بمفردهن وأوصلنهن إلى برّ الأمان بعد تخلي الأزواج عنهن في بداية الطريق ، ونساء تبوأن مناصب ومهام إدارية فكان لابدّ من تعدد أشكال الإدارة والقيادة في العمل و المنزل .
في عيد الأم تحية لكلّ الأمهات، وكلّ الحبّ والتقدير لأمهات الشهداء ، أما أمي فماذا أقول لها سوى يأتي العيد وأهل العيد غياب .
الكنز – يونس خلف