الثورة – هفاف ميهوب:
في سؤالنا عن النزاهة الفكرية، نستدعي قول الكاتب و المفكر الفرنسي “باسكال بونيفاس” في كتابه “المثقفون المزيفون”:
“يذهلني أولئك المثقفون الذين لا يتورّعون عن اللجوء إلى “حجج مخادعة” عن طريق إطلاق الأكاذيب من أجل حصد التأييد، وتبدو وقاحتهم وانعدام ذمّتهم بلا حدّ.. إنهم مزيَّفون، يصنعون عملية ثقافية مزوّرة، من أجل ضمان انتصارهم في سوق المعتقدات الراسخة..”..
أما أكثر من قصدهم هذا الأكاديمي هم المثقفون الفرنسيون ممن بدأ كتابه بالإشارة إلى خيانتهم، التي كان الفيلسوف الفرنسي “جوليان بندا” قد أشار إليها، وفي كتابه “خيانة المثقفين” الذي فضحهم فيه لأنهم، دفعوه للشعور بالأسف على زمانٍ وجده فعلاً، زمن الأحقاد السياسية.. الزمن الذي غابت فيه قيمهم، ومعرفتهم بأن “البحث عن الحقيقة هو الذي يجب أن يوجه المثقفين، بعيداً عن الأهواء، ولاسيما المعاصرة”…
يرى “بونيفاس” بأن الإعلام هو من يساعد هؤلاء على تبنّي الكذب والأحقاد، حيث استحوذت فئة من عديمي الضمير، على الفضاء الإعلامي والثقافي في فرنسا “مثالا”..
نعم، لقد غيّب الإعلام مثقف الكلمة، وأظهر مثقف الصورة، أو كما أسماه “المثقف المتجمّل”.. المثقف المزيف الذي تسعى القنوات من خلاله، لقلب الحقائق وتقديم كلّ ما يخدم “المصالح الغامضة والشريرة، ولاسيما في هذا الزمن الرقمي”.. زمن توجيه الرأي العام نحو قناعات إيديولوجية أحادية البعد، والتأثير على تفاعله مع الفضاء الإعلامي..
إنه ما وجده أسوأ ما ينجم عن “الأخلاق الخادعة”، وبسبب كذبها وتملّقها وتضليلها وتشويهها للحقائق والمواقف، ليكون الأسوأ من هذا، تحويلها النزعة الأخلاقية إلى كارثية.. ذلك أن أصحاب هذه الأخلاق يعتبرون معارضيهم أعداء، وهم بهذا يغادرون الجدل الفكري، ليدخلوا في الإرهاب الفكري”.
يؤكد “بونيفاس” هنا، بأن “برنار ليفي” اليهودي الأصل ومرتزقته، هم من قصدهم بقوله هذا، بل وبقوله في مقالته “إرادة العجز”:
“نلاحظ أن تعاطف مثقفينا البراقين، ودفاعهم عمّا يصفونه بالمبادئ العالمية، ليس له معادل سوى لامبالاتهم الصامتة، القديمة والثابتة، بالقدر نفسه، إزاء شعبٍ آخر، يتعرض للظلم بالقوة، وللقمع الوحشي، وهو الشعب الفلسطيني..”..
باختصار: لقد فضح “بونيفاس” خبراء الكذب الإعلامي في فرنسا المنقادة لإسرائيل أولاً.. ثمّ أميركا التي أسقطت ديمقراطيتها بحروبها غير المشروعة تجاه العالم الإسلامي خصوصاً.. فضح هؤلاء، وتجرّأ على انتقاد إسرائيل بشدّة، معلناً أنه لايبالي باتّهامها لكلّ من يدين سياستها، بالعداء للسامية..
لقد تبدّد وهم القطب الواحد، وسقطت الأقنعة الخادعة للمثقفين المزيفين.. مرتزقة الفضاء الإعلامي.