الثورة – فؤاد مسعد:
نادراً ما يكون للأب دور مُتقدم يظهر بشكل جلي عبر عمل درامي على الشاشة الصغيرة، فقد اعتدنا أن يكون الاحتفاء دائماً من نصيب الأم بكل ما تحمله من تجليات التضحية والحب والحنان، والتي مهما كُتب أو قيل عنها يبقى دون إيفاء نقطة من بحر عطائها، وبالتالي أمسى الحديث عنها أمراً طبيعياً، ولكن أن يُقدم الأب بكل ما يعتلج داخله من أحاسيس ومشاعر، وأن يغوص الكاتب إلى مكامن يلتقط منها الأشد صدقاً وتأثيراً وألماً بعيداً عن مفهوم الاستهلاك الدرامي التجاري فهي حالة لابد من الوقوف عندها، خاصة عند تلمس محاولة البحث في العوالم الحقيقية للأب بما تحفل به من مفاجآت ودهشة وعاطفة مُخبأة، في محاولة لإظهارها بصورة أكثر قرباً من الواقع.
هما صديقان لكل منهما أسرته، تجمع بينهما سنوات طويلة من المحبة والعشرة ويتشاطران الكثير من الأفكار وربما العادات والمفاهيم، ولكن كيف يواجهان أزمات الحياة التي تقصم الظهر؟ وهل هناك أشد قسوة من حالة الأب الذي يكسر له ابنه ظهره؟.. سؤال يثيره مسلسل (على قيد الحب) إخراج باسم السلكا، وتأليف فادي قوشقحي، وإنتاج إيمار الشام، الذي عُرض منه حتى الآن حلقتان فقط، وإن كان لايزال في بداية مشوار العرض ومن المبكر جداً الحديث عنه إلا أنه امتلك من شدة التأثير قوة أن يكون محرّضاً للإشارة إليه لما حفلت به حلقتاه الأوليتان من عناصر أساسها الأول النص الذي بدا مٌحكماً دقيقاً مًعشّقاً بالمشاعر الإنسانية التي تلامس الروح وبالسعي إلى الاهتمام بالتفاصيل التي تُكمل اللوحة وتمنحها تفردها وجماليتها ودفقاً من الحياة، الأمر الذي التقطته عين المخرج فأكمل رسم اللوحة بريشة تفيض رهافة.
من المشاهد التي يمكن الوقوف عندها في الحلقتين الأولى والثانية التي كسرت السائد وسلطت الضوء على مشاعر الأبوة تلك المرتبطة بخبر زواج ابنة حسان (الفنان أسامة الروماني) سراً من شاب سمعته سيئة، والمتتبع للحوار الذي أتى أولاً على لسان والدها ومن ثم على لسان صديقه أمين (الفنان دريد لحام) يكشف المنطق والمفهوم الذي تعاطى فيه الكاتب مع الأحداث مقدماً في العمق مفهوم الأبوة التي تتمازج فيها على نحو مؤثر وغريب القسوة مع الحنان، فكل غضب الأب وانكساره الذي عبّر عنه بحرقة يمكن أن يُمحى بكلمة لم تقلها ابنته، كل القوة التي ظهر بها وهو يجابهها ويؤنبها على خطئها تكشف في حقيقتها عن هشاشته أمام حبه اللامتناهي لابنته، لا بل الحيرة التي وقع فيها حول كيف يتصرف إزاء هذا الموقف شكلت بحد ذاتها حالة درامية تفيض إحساساً أبوياً يجمع بين المتناقضات، بين الحب والألم، والغضب والرغبة الدفينة بالصفح والمسامحة، هي مشاعر وأحاسيس قدمها النص بعناية وجسدها الفنان أسامة الروماني بإحساس عالٍ، في حين أضفت عقلانية أمين وهدوؤه حالة من الدفء الأبوي خاصة عبر علاقته مع أبنائه وأبناء صديقه وقد قدمها الفنان القدير دريد لحام بكثير من العاطفة، ويضاف إلى ذلك علاقة كل منهما بنصفه الآخر وتجلى ذلك بأعمق صوره لدى حديث حسان مع زوجته عن موقفه من ابنته، ولدى حديث أمين مع زوجته عن حبهما المتجدد حتى اليوم.
مما لا شك فيه أن خيوط الحكاية ستتكشف رويداً رويداً في القادم من الحلقات، ولكن مما لا شك فيه أيضاً أنه منذ البداية استطاع الخط الدرامي المتعلق بحالتي الأبوة والصداقة أن يرمي شباكه لتمسك بالمشاهد من خلال جدية الطرح وطزاجته واحترام عقل المتلقي، ولكن هل لنا اعتبار تقديم مثل هذه الحالة في مسلسل درامي انقلاباً في الموازين وبداية تغيير قد ينتقل بالعدوى إلى أعمال أخرى تمنح مساحة أوسع لدور الأب الحقيقي في المجتمع؟ خاصة أننا اليوم في أشد الحاجة إلى العمل الدرامي الاجتماعي العائلي الذي يعكس واقع الحياة الأسرية ودور الرجل والمرأة فيها على حد سواء وبكل تفاصيلها بما تحمل من هموم ومشكلات وطموحات وانكسارات وآمال وآلام.