الأزمة الناشئة في باكستان، حل الحكومة والبرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، ليست منفصلة عن السياق العام الذي بدأ مع بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، بل هي جزء من حرب الضغوط القصوى التي يمارسها النظام الغربي بالقيادة الأميركية على العديد من عواصم الشرق والغرب، بحثاً عن اصطفافات دولية تسبق بالضرورة الذهاب إلى أبعد مدى في الصراع مع كل من روسيا والصين.
“لسنا عبيداً لكم”، جملة قصيرة، لكنها أبلغ ما يمكن أن يقال في الرد على الغرب وواشنطن، قالها عمران خان رئيس الحكومة الباكستانية الذي رفض إدانة العملية العسكرية الروسية، رفض طلباً رسمياً أميركياً بإقامة قواعد عسكرية على أراضي بلاده، رفض المشاركة بتحالف العدوان على اليمن، انخرط بفعالية كبرى بمبادرة الحزام والطريق الصينية، ويستعد لتحديث وتوسيع ميناء كراتشي لاستقبال مليارات الأمتار المكعبة من الغاز الروسي.. وبعد، فهل يكفي ما تقدم لتحرك أميركي عاجل اليوم في باكستان، وغداً في مطارح أخرى، لخلق أزمات داخلية وخارجية لبلدان تعمل لحماية مصالحها وأمنها الوطني، وترفض الاصطفاف خلف واشنطن؟.
خطوة باكستان السيادية، هي خطوة أولى في مسار مواجهة التدخلات الخارجية في سياستها وفي إطار مقاومة الإملاءات، بمقابل خدمة أمنها القومي واستقرارها، ذلك بنسج علاقات متوازنة مع محيطها ودول الجوار والإقليم، تحررها من الهيمنة الأميركية، وتحقق لها الازدهار والنماء الاقتصادي، أزعج ذلك الولايات المتحدة أم أغضبها.
لا يمكن التنبؤ منذ الآن بنتائج الانتخابات المبكرة التي ستجري خلال ٩٠ يوماً حسب الدستور الباكستاني، غير أن التوقعات تشير إلى احتمالات استكمال خطوة خان السيادية بالنظر إلى قوة حضوره الانتخابي بمقابل خصومه من أحزاب المعارضة، وهو الأمر الذي سيبنى عليه ويؤسس لخطوات تحررية مماثلة في بلدان أخرى تتعرض للضغط الأميركي.
حتى في القارة العجوز، هناك مخاض اصطفافات، بل حرب الاصطفافات مستعرة، نارها حامية وإن تهيأ للبعض أنها لن تتخذ مسارات تنأى عن أميركا التي جعلت من دول الاتحاد الأوروبي ذيلاً لها تجره خلفها حتى عندما يتعارض ذلك مع مصالحها وأمنها الفردي والجماعي ككتلة أوروبية واحدة.
سلوفاكيا لن تكون الأخيرة في قبولها الدفع بالروبل الروسي، ومع الهلع الألماني من خطورة حظر الغاز الروسي والتحذير من ذلك، تبدو بريطانيا – حتى بريطانيا – على صفيح ساخن، فكيف سيكون الأمر في بلدان أخرى لن تصمد اقتصاداتها طويلاً؟ وبالتالي فإن مخاض الاصطفافات وحربها لن تجري على هوى واشنطن والرؤوس الحامية في الناتو.
الطلب على الطاقة يزداد سنوياً في كل أرجاء العالم، هذا ما سيفرض على الحكومات في أوروبا وخارجها أولويات تنتج استراتيجيات بدورها ستنتج سياسات مفاجئة للولايات المتحدة خاصة في ظل ظروف صعبة لا تخفى، ويظهر معها العجز الأميركي عن تقديم مساعدة يحتاجها الجميع.
الحرب الأميركية الغربية المعلنة ضد روسيا والصين، اقتصادية بالمقام الأول وإن اتخذت أشكالاً أخرى، ولذلك فإن موجة الغلاء العالمية ستتفاقم، وإن فك دول ارتباطها بالدولار والعمل على سلة عملات أخرى لن يبقى في حدوده الحالية، وسيدفع بالمتغيرات الحاصلة إلى النضوج الذي سيصل معه الاقتصاد العالمي لمرحلة ما بعد الدولار وباتجاه اعتماد نظام نقدي مالي جديد دونه تطورات لا بد أن تقع على جبهات الصراع التي قد تتسع الخيارات العسكرية فيها.
معاً على الطريق- علي نصر الله