الثورة – هفاف ميهوب:
في مقدمة كتاب “التاريخ الثقافي للقباحة” وضعت الكاتبة والباحثة الأميركية “غريتشن هندرسن” مجموعة من الجمل التي اقتبستها عن كتّاب وفنانين عالميين، منهم الموسيقار “فرانك زابا” الذي أوجزت مضمون كتابها في قوله:
“ما هو أقبح جزءٌ من جسدك؟.. البعض يقول أنفك.. البعض يقول أصابع قدمك، ولكني أعتقد أنه عقلك”!..
توجز بهذا الاقتباس، لتبدأ بعدها بحثها الثقافي المستفيض في هذا الموضوع، وعبر فصولٍ مهمّة في تناولها “الأفراد القبيحون” و”المجموعات القبيحة” والحواس القبيحة”.. تتّبع المعايير الجمالية والتوترات الثقافية، بدءا من العصور القديمة، مروراً بالوسطى ومن ثمّ الحديثة، مقدّمة معاني عديدة للقباحة التي وجدتها، قد أضافت بعداً معقّداً حول وضع الإنسان، والعالم الواسع الذي يعيش فيه ويتفاعل معه.. الإنسان الذي رأت بأن “الطبيعة والثقافة قد تحرفان أو تشوّهان هيئته وتحولاته، إلى أدنى مرتبة”…
إنه كتاب، وصفه الأديب الأرجنتيني “ألبرتو مانويل”: “مُستفِزّ.. من خلال سبر أغوار علاقتنا بما نصمه على أنّه قبيح أو جميل، فهو يجبرنا على التمعّن بأذواقنا ومخاوفنا وقناعاتنا الاجتماعيّة ومفهومنا اليوميّ للعدالة”..
هذا ماوصف به “مانويل” هذا الكتاب الذي توصلت فيه “هندرسن” إلى أن الجمال والقباحة: “أكثر من كونهما مجرّد ثنائية متضادة، يمكن اعتبارهما أشبه بمنظومة النجم التوأم.. حيث ينضوي كلّ منهما ضمن جاذبية الآخر ويدور حوله…”..
باختصار: هو استطلاع عميقٌ وثري بالمعلومات والشواهد المعمارية والفنية والشفاهية والأسطورية.. الشواهد التي أكدت بأن عالم القباحة هو عالم غير نهائي، بل وبأن “الاكتشافات العلمية، ووسائل الإعلام مثلما التواصل الاجتماعي، قد حوّلوا الجماعات إلى مادة للسخرية أو الغرائبية، وذلك عبر استخدام مناقشات وبرامج وشعارات ومصطلحات قبيحة، توضّح الحدود الجمالية والذوق المتحضّر، إضافة إلى الممارسات الطبية التي غيّرت مفهوم الأجساد، ليس فقط تلك التي تحمل تشوهات خلقيّة، بل أيضاً التي شوّهتها الحروب، أو التي جمّلت لأسباب اجتماعية، أو حتى التي تشرّع القباحة على امتداد الجبهات الثقافية..”..
السابق