كان مثيراً للهواجس فعلاً، أن تطلق منصة رصد الحرائق نبوءاتها بموسم حرائق مبكر هذا العام، فما جرى في العام الماضي ترك أثراً أليما في ذاكرة الجميع.
قراءات المنصة المتخصصة لم تكن “ضرباً في الرمل” وإنما مبنية على مؤشرات.. أولها أن موسم الأمطار كان جيداً نسبياُ، بالتالي معدل الإنبات العشبي سيكون كثيفاً، وهو سريع اليباس، وهذا يعني أن الأعشاب ستكون وقوداُ جاهزاً للنيران.
الآن السؤال هو لماذا لم تكن الحرائق هاجساُ كبيراً في السابق، رغم أن مواسم الأمطار كانت أفضل، والغطاء العشبي كان أكثر كثافة..؟
أي لماذا لم تكن الأعشاب سابقاً ضمن دائرة الاتهام كمسبب للحرائق؟..
الجواب ليس لغزاً.. فالأعشاب كانت مراعي مفتوحة لقطعان الماشية.. الأبقار و الأغنام والماعز، و كان الأهالي يعمدون إلى حصادها وتجفيفها وتخزينها كأعلاف جاهزة لفصل الشتاء والبرد.
ماالذي تغير في السنوات الأخيرة..؟ لقد تراجعت أعداد الماشية وأقلع الفلاحون في القرى عن تربية الماشية، فلا ماشية ترعى ولا حاجة لحصاد الغطاء العشبي، خصوصاً في المناطق الجبلية، ومعظم الحرائق حصلت في مناطق جبلية، كما يمكن اليوم ملاحظة أن مساحات كبيرة في الكثير من هذه المناطق تحولت إلى أبوار خالية من الزراعات الموسمية التقليدية، ومعظمها مزروع بأشجار الزيتون التي يطلق عليها الريفيون “شجرة الكسلان” لأنها شبه حراجية، وقد رسخت الظروف الصعبة كشح المحروقات و صعوبة الحصول على مستلزمات كافية للزراعة، حالة هجران الفلاحين لأراضيهم، لتتحول إلى أراض جاهزة للاحتراق، ويمكن أن نلاحظ أن معظم خسائر الفلاحين في المناطق التي اجتاحتها الحرائق كانت عبارة عن أشجار زيتون، والمعلوم أن شجرة الزيتون سريعة الاشتعال.
كل ماسبق يفرض تحركاً من نوع ما رسمياً وشعبياً لدرء خطر الحرائق مبكراً، تحرك يجب أن تقوده وزارة الزراعة.. وهنا نقترح أن تعلن الوزارة عبر مؤسسة الأعلاف عن شراء الأعشاب المجففة وبأسعار مقبولة، وسيبادر الأهالي بالتأكيد إلى حصاد الأعشاب.
أحيانا يزيد ارتفاع الأعشاب عن ٥٠ سنتيمتراً، كما كانوا يحصدون القمح سابقاً، سيبادرون لأن ذلك سيكون استثماراً لأراضيهم التي لم يهجرونها رغبة منهم بل بسبب صعوبة الاستثمار كما قلنا.
أما ماذا ستفعل مؤسسة الأعلاف بما تستلمه من حصاد عشبي..؟
بالتأكيد عليها أن تعمد إلى “كبسه في بالات ” وتخزينه ثم بيعه في فصل الشتاء للمربين لإطعام القطعان الجائعة التي تنفق أو تذبح للتخلص منها بسبب عدم توفر الأعلاف، وتجربة بالات الأعشاب المجففة ليست ابتكاراً محلياً وإنما مجربة ومعروفة في كل الأرياف الأوروبية الشرقية والغربية، وبعض الدول العربية أيضا..
الكنز- نهى علي