الثورة- ترجمة غادة سلامة
شكلت الحرب العالمية الأولى بداية التدهور بعد أربعة قرون من هيمنة أوروبا كقوة عالمية، فتحت الحرب الباب للقرن الأمريكي وأنهت ثلاث إمبراطوريات أوروبية على الأقل.
يبدو أن الاتحاد الأوروبي يسير نائماً نحو الهاوية، محاصراً بمزيج قاتل من العمى والتفكير الجماعي بعد أن أكملت أوروبا تهميشها الذاتي كلاعب عالمي في الحرب العالمية الثانية. وأطلق تدمير ألمانيا العنان للهيمنة العالمية للولايات المتحدة، والتصفية التدريجية لآخر إمبراطوريتين أوروبيتين، البريطانية والفرنسية.
بالنظر إلى الوراء، يبدو أن كلتا الحربين كانتا محاولات انتحارية نفذت بشكل جيد من قبل أوروبا. ومن المحتمل أن تتذكر سجلات التاريخ المستقبلية يوم 24 شباط 2022 باعتباره نقطة تحول – العام الذي حاولت فيه أوروبا للمرة الثالثة شطب نفسها.
عندما تخلى الاتحاد الأوروبي عن أي محاولات للعب دور دبلوماسي في أوكرانيا بل وزاد الأمر سوءا عندما قرر مد أوكرانيا بالسلاح.
وكل ما فعلته أوروبا هو تنفيذ سلسلة من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، والتي ستؤدي في النهاية إلى معاقبة الاقتصاد الأوسع لأوروبا وتضر بقدرتها التنافسية من الناحية السياسية والأمنية، وهذا ما حول الاتحاد الأوروبي نفسه إلى مؤسسة ثانوية لحلف الناتو.
لقد شهدت نهاية الحرب الباردة أن التحالف الأطلسي يكافح من أجل سبب وجوده، وهو الوضع الذي استمر ثلاثة عقود.
يرفع القادة الأوروبيون أيديهم في حالة من الإحباط في الإشارة إلى أن ما يحدث في أوكرانيا ناتج عن توسع الناتو باتجاه الشرق على مدى العقود العديدة الماضية.
لقد قامت ما تدعو نفسها الديمقراطيات الغربية مراراً وتكرارا بحروب طويلة ودموية شنتها الولايات المتحدة على بعد آلاف الأميال من حدودها، بحجة الدفاع عن الأمن القومي. في الوقت نفسه، لا يوجد أي مبرر لما فعله الاتحاد الأوروبي – أو بالأحرى لم يفعله – بشأن أوكرانيا منذ عام 2014 ، عندما كان من الواضح أن الوضع كان بمثابة قنبلة موقوتة.
في جميع أنحاء أوروبا، ربما كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعمل لتحديد بنية أمنية جديدة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بعد أن شعر بخطورة الموقف الأمريكي وما تفعله الولايات المتحدة بأوروبا، وهو الآن منخرط في حملة ضيقة لفترته الرئاسية الثانية ضد مارين لوبان، التي لطالما دافعت عن روابط أقوى مع موسكو.
لقد أصبح المناخ السياسي والإعلامي في أوروبا ساماً إذ ثابرت الدول الغربية على قبول قواعد النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن دور أوروبا المساعد لحلف شمال الأطلسي ليس مشكلتها الأكبر، في الأيام الأخيرة، تحرك قادتها لزيادة الإنفاق العسكري إلى 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، كما طالبت الولايات المتحدة وحلف الناتو منذ فترة طويلة، وسوف يستفيد المجمع الصناعي العسكري الأمريكي بشكل كبير من هذه الزيادة الهائلة في الإنفاق العسكري.
يأتي الإنفاق الإضافي في الوقت الذي تواجه فيه البلدان الأوروبية بالفعل ديوناً متزايدة بسبب الموارد الهائلة التي تم حشدها لمواجهة وباء Covid-19 وتداعياته الاقتصادية الدراماتيكية على مدار العامين الماضيين.
يمثل حكم الاقتصادات الغربية وسط العديد من العوامل المعاكسة عملية توازن صعبة بين كبح جماح التضخم وتجنب الركود – وهي معضلة، بالمناسبة، ستشترك فيها كل من الاقتصادات الأمريكية والأوروبية.
والخسارة الكبرى لأوروبا اليوم، هي خسارة الاتحاد الأوروبي لروسيا ودورها كمورد للطاقة، حيث يتم نقل الغاز الطبيعي المسال الذي تنتجه الولايات المتحدة إلى أوروبا عن طريق السفن، و هو يتطلب محطات لإعادة تحويله إلى غاز صالح للاستعمال بكلفة كبيرة ويضيف أعباء مادية جديدة على القارة العجوز، وهو ليس بوفرة وقلة تكاليف الغاز الطبيعي الذي تتنجه روسيا، وبالتالي، سيدفع المستهلكون في الاتحاد الأوروبي ثمناً باهظاً إذا حصل الاتحاد الأوروبي على غازه من الولايات المتحدة.
ويمكن أن يؤثر مزيج التضخم وزيادة أسعار الفائدة وارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل خطير على القدرة التنافسية للصناعات والشركات الأوروبية، مما يؤدي إلى الإضرار بحصتها في السوق العالمية، وبالتالي، ميزانياتها العمومية.
في غضون ذلك، لا يقدم القادة الأوروبيون وجهة نظر مطمئنة للجمهور- وهو الوضع الذي يمكن أن يؤجج الاضطرابات العامة في الأيام المقبلة.
المصدر: Middle East Eye
